للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثاني: أن يكون الكلام صادرا عن الموحد كأن يقول المؤمن: قوست ظهري أحداث الزمان، فهذا الإسناد مجاز عقلي أسند فيه الفعل إلى غير ما هو له بناء على أن أحداث الزمان سبب في التقويس، وقرينة المجاز صدور هذا القول من مؤمن، يرى أن الله تعالى مصدر الأفعال كلها, وليس هذا وأمثاله مما استحالته عقلية حتى يكون داخلا في الأمر, إذ لم يجمع العقلاء على استحالة مثل هذا بدليل أن كثيرا من ذوي العقول ذهبوا إليه، وقالوا به واحتجنا في الرد عليهم إلى الدليل, فالقرينة في هذين الأمرين معنوية إذ ليس في الكلام لفظ صريح يدل على التجوز في الإسناد، وإنما الدال عليه أمر معنوي كما رأيت.

وجوب أن يكون للمجاز العقلي حقيقة:

اختلف الرأي في هذه المسألة، فقال الخطيب: إن المسند في المجاز العقلي يجب أن يكون له مسند إليه حقيقي، يكون الإسناد إليه حقيقة, غير أن هذا المسند إليه.

"تارة": يكون ظاهرا يدرك بأدنى تأمل كما في قوله تعالى: {فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ} فإن الفاعل الحقيقي للربح هو التجار، وإنما كان الفاعل ظاهرا بسبب عرف الاستعمال، فقد تعارف أهل اللغة: أنهم إذا قصدوا الاستعمال الحقيقي أضافوا الربح للتجار لا للتجارة: فقالوا: فما ربح التجار في تجارتهم, ومثله قولهم: "أنبت الربيع البقل"، "وشفى الطبيب المريض" فإن الفاعل الحقيقي فيهما هو الله تعالى، ولا خفاء فيه لما تعارفوا عليه في الاستعمال.

وتارة: يكون المسند إليه الحقيقي خفيا، لا يدرك إلا بشيء من التأمل كما في قولهم: "سرتني رؤيتك"، وقولهم: أقدمني بلدك حق لي عليك، وكقول الشاعر:

يزيد وجهه حسنا ... إذا ما زدته نظرا١


١ وقبل هذا البيت:
يرينا صفحتي قمر ... يفوق سناهما القمرا

<<  <  ج: ص:  >  >>