للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأرض كأخلاق الكريم قطعتها ... وقد كحل الليل السماك فأبصرا١

يقول: رب أرض رحبة الجنبات قطعتها في ليل تألق نجمه -شبه الأرض بالخلق الكريم في الرحابة والسعة، بتقدير المعقول محسوسا، واعتباره أصلا في وجه الشبه، يقاس به مبالغة، وإلا فإن إلحاق المحسوس بالمعقول قلب للأوضاع٢، وجعل للفرع أصلا، والأصل فرعا، وهو لا يجوز، ولا يستسيغه عقل لولا قصد المبالغة -ومن الطريف في ذلك قول الشاعر:

وفتكت بالمال الجزيل وبالعدا ... فتك الصبابة بالمحب المغرم

فالفتك الأول حسي باعتبار متعلقه، والثاني عقلي، وهو من أحاسن التشبيهات وأبدعها، وأشدها في النفس وقعا -ومثله قول الصاحب:

أهديت عطرا مثل طيب ثنائه ... فكأنما أهدى له أخلاقه

تنبيه:

من الحسي: مالا تدركه الحواس بذاته، ولكن تدرك مادته، ويسمى: خياليا، وهو الشيء المعدوم خارج الأعيان الذي ركبته المتخيلة من أمور مدركة بالحس الظاهر كما في قول أبي الغنائم الحمصي:

خود كأن بنانها ... في خضرة النقش المزرد

سمك من البلور في ... شبك تكون من زبرجد٣


١ السماك نجم، وهو مفعول والليل فاعله، الضمير في "أبصرط عائد على "السماك" وتكحيل الليل له على معنى أن الليل إذا اشتدت ظلمته ازداد السماك تألقا كان الليل كحل بسواده.
٢ ذلك أن الأمور العقلية مستفادة من طريق الحواس فالحواس إذن أصل لها كحدوث العالم مثلا فهو أمر عقلي أدركه العقل من تغيره المدرك بحاسة البصر ولولاها ما أدركه، ولذا قالوا من فقد حسا فقد علما فتشبيه المحسوس بالمعقول حينئذ قلب للأوضاع سوغه قصد المبالغة.
٣ "الخود" بفتح الخاء الشابة الحسناء "والبنان" أطراف الأصابع، "والبلور" معدن شفاف، و"الزبرجد" جوهر نفيس.

<<  <  ج: ص:  >  >>