للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في حيرة اليائس- ووجه الشبه: الهيئة الحاصلة من الشيء يكون أوله مطمعا مغريا، متصلا بنهاية مخيبة مؤيسة.

فأنت ترى أن الوجه منتزع من أمرين متصلين: ابتداء مطمع، وانتهاء مؤيس والشطر الأول من البيت المذكور إنما تضمن الأمر الأول، إذ معناه: أن الغمامة ظهرت لقوم يرجون الماء لشدة حاجتهم إليه، فقد أطمعتهم أول الأمر حين عرضت لهم -أما الأمر الثاني، وهو الانتهاء المؤيس فقد تكفل به الشطر الثاني، إذ معناه: أن الغمامة خذلتهم، وتولت عنهم حين التمسوها، فكانت الحال نهاية مؤيسة.

إذا علمت هذا -علمت أنه لا يتأتى انتزاع وجه الشبه من الشطر الأول فقط لأن الوجه -كما عرفت- مركب من الأمرين معا، فلابد أن ينزع من الشطرين جميعا، ولو اقتصر فيه على الشطر الأول لاختل التشبيه لعدم وفاء هذا الشطر بالمعنى المراد.

وهذا بخلاف التشبيه المتعدد كما في المثال السابق في تشبيه فاكهة بأخرى فإن القصة فيه -كما عرفت- إلى الأشياء الثلاثة من الطعم، والرائحة، واللون، بحيث لو ترك أحدها لم يتغير حال الباقي في إفادة معناه.

الثاني: اعلم أنه إذا كان وجه الشبه مركبا وجب أن يكون الطرفان مركبين أو مقيدين، أو أحدهما مركبا، والآخر مقيدا، ولو تقريرا- ذلك أن وجه الشبه قائم بالطرفين، متنزع منهما. وليس معقولا أن تقوم هيئة مركبة من عدة أمور بشيء واحد، أو أن تنتزع منه، فوجه الشبه في بيت بشار مثلا هو الهيئة المركبة من الأمور السابق ذكرها. وتلك الهيئة لا يمكن أن تقوم بشيء واحد، ولا أن تنتزع منه -كذلك وجه الشبه في قول الشاعر:

إني وتزييني بمدحي معشرا ... كمعلق درا على خنزير

هو صورة من يضع الشيء في موضع لا يصلح له، وليس له أهل، وهذا المعنى التركيبي لا يمكن أن يقوم بأحد الطرفين مجردا عما لوحظ فيه من قيد- كذلك وجه

<<  <  ج: ص:  >  >>