للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

متعددا كان ذلك الوجه، أو مركبا اعتباريا- وكملا كثر التفصيل في الوالمج كان التشبيه أدخل في باب الغراب، وأبعد عن الابتذال، وكان أدق نسجا وأجمل وقعا، كما تراه في قوله تعالى: "إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلنا" الآية. فقد حوت من كمال الدقة، وكثرة التفصيل ما يبهر العقول.

أوجه التفصيل:

يقع التفصيل في وجه الشبه علىوجوه كثيرة، أحراها بالقبول وأولداها بالعتبار. صورتان.

الأولى: أني ؤخذ بعض الأوصافن ويترك بعضها: من كل تشبيه فيه دقة تحتاجغلى مزيد نظر، وفضل ملاحظة- كما في قول امرئ القيس:

حمتل درينيا كأن سنانه ... سنا لهب لم يتصل بدخان١

شبه الشاعر سنان الرمح بهلهب ذي سنا، فاعتبر في كل منهماشكله المرخويط الدقيق الطرف، وزرقته السافية، وبريقه، ثم قصد أن ينفي الدخان عن السنا تحقيقا للتشبيه إذ ليس في رأس السنان ما يشبه الدخان- وتحقيق التشبيه على هذه الصورة لا يواتيك ببديهة النظر، بل تراك تحتال له، وتدبر أمره- ومثله قول الشاعر:

كأن عيون الوحش حول خبائنا ... وأرحلنا الجزع الذي لم يثقب٢


١ "الرديني" الرمح منسوبا إلى "ردينة" وهي امرأة اشتهرت بتقويم الرماح "وسنا اللهبط ضوؤه- يشبه سنانه بضوء الهلب.
٢ قال الأصمعي- الظبي والبقرة الوحشية إذا كانا حيين فعيونها كلها سوداء فإذا ماتا بدا بياضها فأشبهت الجزع، وهو خرز يماني فيه سواد وبياض تشبه به الأعين، والأرحل جمع رحل وهو مركب للبعير.

<<  <  ج: ص:  >  >>