للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وطيف لا بل أخف موقعاً منه في الكرى، لم يأت إلا بما خف على القلوب، وبرئ من العيوب، رق شعره فكاد أن يشرب، ودق فلا غرو للقضب أن ترقص والحمام أن يطرب، ولزم طريقة دخل فيها لا استئذان، وولج القلوب ولم يقرع باب الآذان، وكان لأهل عصره ومن جاء على آثارهم افتتان بشعره وخاصة أهل دمشق فإنه بين غمائم حياضهم ربي، وفي كمائم رياضهم حبي، حتى تدفق نهره، وأينع زهره، وقد أدركت جماعة من خلطائه لا يرون عليه تفضيل شاعر، لا يروون له شعراً إلا وهم يعظمونه كالمشاعر، لا ينظرون له بيتاً إلا كالبيت، ولا يقدمون عليه سابقاً حتى لو قلت ولا امرأ القيس لما باليت، ومرت له ولهم بالحمى أوقات لم يبق من زمانها إلا تذكره، ولا من إحسانها إلا تشكره، وأكثر شعره لا بل كله رشيق الألفاظ، سهل على الحفاظ، لا يخلو من الألفاظ العامية، وما تحلو به المذاهب الكلامية، فلهذا علق بكل خاطر، وولع به كل ذاكر، وعاجله أجله فاخترم، وحرم أحباه لذة الحياة وحرم.

فمن شعره (١) :

بلا غيبة للبدر وجهك أجمل ... وما أنا فيما قلته متجمل

ولا عيب عندي فيك لولا صيانة ... لديك بها كل امرئ يتبذل

لحاظك أسياف ذكور فما لها ... كما زعموا مثل الأرامل تغزل

وما بال برهان العذار مسلماً ... ويلزمه دور وفيه تسلسل

وعهدي أن الشمس بالصحو آذنت ... فما بال سكري من (٢) محياك يقبل

كأنك لم تخلق لغير نواظر ... تسهدها وجداً وقلباً تعلل

حبيبي ليهن الحسن أنك حزته ... ويهن فؤادي أنه لك منزل


(١) الديوان: ١٩٩.
(٢) الوافي: وسكري أراه في.

<<  <  ج: ص:  >  >>