للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وأصَّلوا أصولاً متينة، وقعدوا قواعد رصينة، من أتقنها وتضلع بمعرفتها أمكنه أن يعلم درجة أي حديث ولو لم ينصوا عليه وذلك هو علم أصول الحديث أو مصطلح الحديث.

قال الحافظ ابن حجر: "السبيل لمن أراد الإحتجاج بحديث من السنن الأربعة لا سيما سنن ابن ماجة ومصنف ابن أبي شيبة ومصنف عبد الرزاق مما الأمر فيه أشد، أو بحديث من المسانيد لأن هذه لم يشترط جامعوها الصحة والحسن: أنه إن كان أهلاً للنقل والتصحيح فليس له أن يحتج بشيء من القسمين حتى يحيط به. وإن لم يكن أهلاً لذلك فإن وجد أهلاً لتصحيح أو تحسين قلّده، وإلا فلا يقوم على الإحتجاج كحاطب ليل، فلعله يحتج بالباطل وهو لا يشعر"١.

ونحو ذلك قال زكريا الأنصاري في فتح الباقي شرح ألفية العراقي٢.

وقال ابن تيمية: "المنقولات فيها كثير من الصدق وكثير من الكذب، والمرجع في التمييز بين هذا وهذا إلى علم الحديث، كما نرجع إلى النحاة في الفرق بين نحو العرب وغير نحو العرب، ونرجع إلى علماء اللغة، فيما هو من اللغة وما ليس من اللغة، وكذلك علماء الشعر والطب وغير ذلك فلكل علم رجال يعرفون به، والعلماء بالحديث أجل قدراً من هؤلاء وأعظمهم صدقاً، وأعلاهم منزلة وأكثر ديناً وهم من أعظم الناس صدقاً وأمانة وعلماً وخبرة فيما يذكرونه من الجرح والتعديل"٣.

فعلى هذا يجب التحري في كل حديث حتى تتبين حاله. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} ٤.

ومن المعلوم أن حجة الله عز وجل على عباده إنما هي الكتاب والسنة لا غير، إلا اللهم ما استنبطه العلماء منهما: فالقرآن تكفل الله عز وجل بحفظه كما قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} ٥.

وأما السنة المطهرة فلم يتكفل بحفظها كالقرآن لحكمة يعلمها، ولهذا قد أدخل فيها ما لم يكن منها، فالإعتماد عليها مطلقاً، ونشرها دون تمييز أو تحقيق يؤدي حتماً إلى تشريع ما لم يأذن به الله. وفاعل ذلك قد لا يسلم من الوقوع في المحظور الذي هو الكذب على


١ المرقاة شرح المشكاة ١/ ٢١.
٢ فتح الباقي: ١/ ١٠٦، ١٠٧.
٣ منهاج السنة النبوية ٤/ ١٠.
٤ ١لحجرات: الآية ٦.
٥ الحجر: الآية ٩.

<<  <   >  >>