للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

من الوحي القرآني تبيان وتفسير، فأنى للكتبة منهم الوقت لمتابعة الرسول عليه السلام في كتابة جميع ما يقوله أو يعمله أو يقر الناس عليه، خاصة وأن الكاتبين منهم قليل.

ومع ذلك قام بعض هؤلاء الكاتبين بتقيد جميع ما سمعه ورآه من النبي صلى الله عليه وسلم، وأقرهم على ذلك حين أمن التباس السنة بالقرآن، على حين كتب أفراد آخرون أشياء قليلة، وظل سائرهم بين قارئ كاتب لكنه مشغول بالقرآن شغلا لا يتيح له كتابة الحديث، فغدا يسمعه من الرسول صلى الله عليه وسلم ويعمل به ولا يجد الحاجة لتقييده، وبين أمي يحفظ من القرآن والحديث ما تيسر له في صدره، وهو ما كان عليه أكثر الصحابة في بدء الإسلام ومطلع فجره.

وانصرف الصحابة إلى القرآن جمعا له في الصدور والسطور، واشتغالهم به عن كل شئ سواه كان جزءا من التوجيه النبوي الحكيم لهؤلاء التلامذة الخالدين من الأميين والكاتبين، وهو توجيه متدرج مع الحياة والأحياء متطور مع الأحداث التي تعاقبت على المجتمع الإسلامي، فما كان لهذا التوجيه أن يجمد على صورة واحدة، بل روعي فيه الزمان، وروعيت الأشخاص.

فنهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن كتابة الأحاديث أول نزول الوحي مخافة التباس أقواله وشروحه وسيرته بالقرآن، ولا سيما إذا كتب هذا كله في صحيفة واحدة مع القرآن.١

وقال: " لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه، وحدثوا عني ولا حرج، ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" ٢.


١ وقد أشار إلى ذلك الخطابي في معالم السنن فقال: (يشبه أن يكون النهي متقدما، وآخر الأمرين الإباحة) .
وقد قيل: إنه إنما نهى أن يكتب الحديث مع القرآن في صحيفة واحدة؛ لئلا يختلط به ويشتبه على القارئ، فأما أن يكون نفس الكتاب مخطوطا وتقييد العلم بالخط منهيا عنه فلا. اهـ مختصر جـ٥ ص ٣٤٦ كتاب العلم حديث ٣٤٩٩.
٢ صحيح مسلم بشرح النووي جـ١٨ ص ١٢٩ كتاب الزهد من حديث أبي سعيد الخدري. وقد أعل بعضهم هذا الحديث ووقفه على أبي سعيد الخدري قال: ابن حجر في الفتح ج١ ص ٢١٨: ومنهم من أعل حديث أبي سعيد وقال: الصواب وقفه على أبي سعيد، قاله البخاري وغيره اهـ. وقال الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على الباعث الحثيث ص ١٤٨: وهذا غير جيد؛ فإن الحديث الصحيح. وملحظ الشيخ شاكر لأن الحديث معروف متدوال بين العلماء وفي كتب الحديث.

<<  <   >  >>