للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

معنى الآيات:

قوله تعالى {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} هذه السورة هي إحدى المعوذتين الأولى الفلق وهذه الناس والأولى اشتملت على أربع خصال يستعاذ منها وهي من شر كل ذي شيء من سائر الخلق والثانية من شر ما يحدث في الظلام ظلام الليل أو ظلام القمر إذا غاب والثالثة من شر السواحر النفاثات في العقد والرابعة من شر حاسد إذا حسد وقد اشتملت هذه الأربعة على كل ما يخاف لأذاه وضرره أما سورة الناس فإنها قد اشتملت على شر واحد إلا أنه أخطر من تلك الأربع وذلك لتعلقه بالقلب، والقلب إذا فسد فسد كل شيء وإذا صلح صلح كل شيء ولذا كانت سورة الناس خاصة بالتعوذ من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس. فقوله تعالى {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ١ مَلِكِ النَّاسِ} أمر منه تعالى لرسوله وأمته تابعة له أعوذ أي أتحصن برب الناس أي خالقهم ومالكهم وإلههم الذي لا إله لهم سواه من شر الوسواس٢ الذي هو الشيطان الموسوس في صدور الناس وذلك بصوت خفي لا يسمع فيلقى الشبه في القلب، والمخاوف والظنون السيئة ويزين القبيح ويقبح الحسن وذلك متى غفل المرء عن ذكر الله تعالى، وقوله تعالى {الْخَنَّاسِ} هذا وصف للشيطان من الجن فإنه إذا ذكر العبد ربه خنس أي استتر وكأنه غاب ولم يغب فإذا غفل العبد عن ذكر الله عاد للوسوسة٣.

وقوله تعالى {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} يعني الموسوس للإنسان كما يكون من الجن يكون من الناس والإنسان يوسوس٤ بمعنى يعمل عمل الشيطان في تزيين الشر وتحسين القبيح. والقاء الشبه في النفس، وإثارة الهواجس والخواطر بالكلمات الفاسدة والعبارات المضللة حتى إن ضرر الإنسان على الإنسان أكبر من ضرر الشيطان على الإنسان، إذ الشيطان من الجن يطرد بالاستعاذة وشيطان الإنس لا يطرد بها وإنما يصانع ويدارى للتخلص منه اللهم إنا نعوذ بك من شر كل ذي شر ومن شر الإنس والجن، فأعذنا ربنا فإنه لا يعيذنا إلا أنت ربنا ولك الحمد والشكر.


١ لما كان في الناس ملوك، وفيهم من يعبد الله تعالى ذكر تعالى أنه ملك الناس وإلههم ومعبودهم الحق الذي لا يستحق العبادة سواه فبه يستعاذ وبجنابه يلاذ.
٢ جائز أن يكون المستعاذ منه لا الوسواس وإنما صاحب الوسواس وهو الشيطان أي من شر ذي الوسواس والوسوسة حديث النفس.
٣ صح عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن الوسوسة التي هي حديث النفس الخالية من القول والعمل معفو عنها ولا يؤاخذ به العبد لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن الله عز وجل تجاوز لأمتي عما حدثت أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم به".
٤ قال مقاتل عن الشيطان في صورة خنزير يجري من ابن آدم مجرى الدم في العروق سلطه الله على ذلك وفي الصحيح "إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم".

<<  <  ج: ص:  >  >>