للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

شيئاً يشبه المستحيل؛ وإذا كان أثرها في الشعر أوضح فإن أثرها في النقد غير معدوم، وحسبك أن تسمع ناقداً مثل ابن رشيق نفسه ما يزال يبني كثيراً من قواعده النقدية على آداب اللياقة في مجالس الممدوحين، ولو انه آمن بان انكسار الحلقة السحرية ممكن لما كان بحاجة إلى تكرار تلك القواعد؛ كذلك فإنه يوجه آراءه في النقد بوحي من ذلك الموقف الاجتماعي، فينقل عن أستاذه عبد الكريم النهشلي قوله: " قالوا: حسن البلاغة ان يصور الحق في صورة الباطل والباطل في صورة الحق، ومنهم من يعيب ذلك المعنى ويعده إسهاباً وآخر يعده نفاقاً " ويرد على الجزء الأخير من هذا الحكم بقوله:

" والذي أراه أنا أن هذا النوع من البيان غير معيب بأنه نفاق لأنه لم يجعل الباطل حقاً على الحقيقة ولا الحق باطلاً وإنما وصف محاسن كل شيء مرة ثم وصف مساويه مرة أخرى " (١) ؛ وكان ابن رشيق يدرك ان الحرية التي ينالها الشاعر ذات مسئوليات كبيرة ولذلك نجده يسرع إلى إنكار مسئولية الشاعر تجاه ما يؤمن به من مبادئ: " وما للشاعر والتعرض للحتوف، وإنما هو طالب فضل " (٢) فقوله " طالب فضل " يفسر أن الاستمرار في العبودية الاقتصادية مأمنه من كل ثورة على الأخطاء " وكل شيء يحتمل إلا الطعن على الدول " (٣) ؛ وهذا هو التيار النقدي الشعري الذي كتبت له الغلبة في عصر كان أبو العلاء يقول فيه:

مل المقام فكم أعاشر أمة ... أمرت بغير صلاحها امراؤها

ظلموا الرعية واستجازوا كيدها ... وعدوا مصالحها وهم إجراؤها


(١) العمدة ١: ١٦٥.
(٢) العمدة ١: ٤٥.
(٣) نفس المصدر.

<<  <   >  >>