للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ـ[مقدمة]ـ

حدث بعضهم، قال: " تحاكم الزبرقان بن بدر وعمرو بن الأهتم وعبدة بن الطبيب والمخبل السعدي إلى ربيعة بن حذار الأسدي في الشعر، أيهم أشعر؟ فقال للزبرقان: أما أنت فشعرك كلحم اسخن لا هو انضج فأكل ولا ترك نيئاً فينتفع به، وأما أنت يا عمرو فإن شعرك كبرود حبر يتلألأ فيها البصر، فكلما أعيد فيها النظر نقص البصر، وأما أنت يا مخبل فإن شعرك قصر عن شعرهم وارتفع عن شعر غيرهم، وأما أنت يا عبدة فإن شعرك كمزادة احكم خرزها فليس تقطر ولا تمطر " (١) .

لعل هذا النموذج من أرقى الأمثلة واشدها دلالة على طبيعة النقد الأدبي، قبل أن يصبح لهذا النقد كيان واضح، فهو نموذج يجمع بين النظرة التركيبية والتعميم والتعبير عن الانطباع الكلي دون لجوء للتعليل، وتصوير ما يجول في النفس بصورة اقرب إلى الشعر نفسه (٢) ، وذلك هو شأن أكثر الأحكام التي نجدها منذ الجاهلية حتى قبيل أواخر القرن الثاني


(١) الموشح: ١٠٧ - ١٠٨.
(٢) عاد هذا النموذج إلى الحياة في تعليقات كتاب المقامات النقدية وما أشبهها، وسيرد الحديث عنها في مواضعه من هذا الكتاب.

<<  <   >  >>