للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

موجودات في هذه الكتب دون الأشعار " فليس معناه ما توهمه الدكتور سلوم (١) وإنما هو تقرير بأن هذه الكتب المذكورة هي التي تحوي العلوم النافعة بينا لا يحوي الشعر شيئاً من تلك العلوم. ولا يخفى أن هذا الموقف يقابله قول المتعصبين للثقافة العربية (والشعر أحد أركانها) : إن الشعر يحوي " الحكم المضارعة لحكم الفلاسفة والعلوم في الخيل والنجوم وأنوائها؟ الخ " (٢) فالنص الذي أورده الجاحظ لا يمكن أن يمثل موقفه لأنه حاول في كتاب الحيوان أن يتخذ الشعر مصدراً كبيراً من مصادره في ذلك العلم، وذلك رد ضمني على أصحاب ذلك الرأي، أما رده المباشر على جماعتهم فقوله في الكتاب نفسه " وأكثر من كتبهم نفعاً وأشرف منها خطراً وأحسن موقعاً كتب الله تعالى؟ الخ " (٣) .

أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة (٢١٣ - ٢٧٦)

منهج أبن قتيبة في مؤلفاته المختلفة توفيقي

تدل مؤلفات أبن قتيبة على تعدد مناحي اهتمامه، فبعضها يمثل العناية بغريب اللغة وبعضها يتناول النحو، كما أن صنفاً ثالثاً منها مستلهم من عصبيته لأصحاب الحديث ومن عدائه للمعتزلة، ويمثل الشعر ميداناً رابعاً من تلك الميادين التي استأثرت بجهده. وعلى الرغم من تعدد ضروب هذا النشاط، فإننا نستطيع أن نستبين من وراء هذا الجهد حوافز وغايات معينة. فأبن قتيبة يكمل دور الجاحظ في الدفاع عن العرب والرد على الشعوبية. ويتخذ هذا الرد صورة مباشرة في مثل " كتاب العرب وعلومها "


(١) قرنه بقول أرسطو: " يجب أن نتذكر أيضاً بأنه ليس هناك نفس الدقة في الشعر كما هي الحال في السياسة أو في أي فن آخر ". (ص ٣٥) .
(٢) أنظر الشعر والشعراء: ١١.
(٣) الحيوان ١: ٨٦.

<<  <   >  >>