للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

والجزائر الشرقية: " كان مجاهد فتى أمراء دهره، وأديب ملوك عصره لمشاركته في علم اللسان، ونفوذه في علم القرآن، عني بذلك من صباه وابتداء حاله إلى حين اكتهاله، ولم يشغله عن التزيد عظيم ما مارسه في الحروب برا وبحرا، حتى صار في المعرفة نسيج وحده، وجمع من دفاتر العلوم خزائن جمة، وكانت دولته أكثر الدول خاصة وأسرارها صحابة، لانتحاله الفهم والعلم، فأمه جلة العلماء، وأنسوا بمكانه، وخيموا في سلطانه، واجتمع عنده من طبقات علماء أهل قرطبة وغيرها جملة وافرة وحلبة ظاهرة، على أنه كان مع أدبه من أزهد الناس في الشعر، وأحرمهم لأهله وأنكرهم على منشده، لا يزال يتعقبه عليه كلمة كلمة، كاشفا لما راع فيه من لفظه وشرفه، فلا تسلم على نقده قافية، ثم لا يخلو التخلص من مضماره على الجهد لديه بطائل، فلا يحظى منه بنائل، فأقصر الشعراء عن مدحه، وخلا الشعر من ذكره " (١) . ومن ثم يمكن القول، أن الصبغة العلمية كانت هي الغالبة على بلاط مجاهد العامري، فاجتمع لديه من العلماء أبو عمرو المقرىء وابن عبد البر وابن معمر اللغوي وابن سيده، فشاع العلم في حضرته حتى فشا في جواريه وغلمانه، فكان له من المصنفين عدة، يقومون على قراءة القرآن ويشاركون في فنون من العلم (٢) . وله ألف ابن سيده معجميه: المحكم والمخصص.

وقد ولى مجاهد على جزيرة ميورقة أبا العباس أحمد بن رشيق وكان هذا الرجل كاتبا بارعا مشاركا في مختلف العلوم ميالا بوجه خاص إلى الحديث والفقه، ولذلك جمع حوله في تلك الجزيرة حلقة من العلماء والصالحين، وهو الذي آوى الفقيه ابن حزم حين ضاقت به بلدان


(١) الذخيرة - القسم الثالث " المخطوط ": ٧.
(٢) الأعلام: ٢١٨.

<<  <   >  >>