للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ظروف قاهرة، بل جعلها عمياء، ليجعل نبذها حتى عند طلاب الشهوة أشد، ويكدس فوق كاهلها المرهق عبء السنين وزحف الشيخوخة، وموت الطفلة، والعمى المقعد، دون أن يكون هناك بصيص من نور بين تلك الظلمات المتراكمة في ذلك البحر اللجي الذي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب؛ فالقصيدة من ثم تملأ النفس بنقمة على علة محتجبة، وتبهم الغاية، وتحيل التأمل في المصير إلى كآبة مرهقة. والتوفر على نظم القصيدتين في فترة واحدة يؤكد ان الجسر الذي يصل بين حرية الإرادة والجبرية المطلقة ما يزال مفقودا لدى الشاعر، وانه لم يستطع بعد أن يختار طريقه في النظرة إلى الإنسان. كان ما يزال يحس وهو في الجماعة الكادحة المكافحة أنه أحد أبنائها الذين يستطيعون أن يغيروا معالم الشقاء والويلات، فإذا خلا إلى نفسه وتحس آلامه الفردية؟ وهو ضائع في الكويت " ينفق ما يجود به الكرام على الطعام " (١) ، وجد الصورة السالبية الاستسلامية أقرب إلى تصوير ما يعانيه في قرارة نفسه ورأى صورة " المومس العمياء " مثالا فاجعا لذلك الاستسلام.

وفي أساطير اليونان أن أدونيس (وهو صورة أخرى لتموز) تنازعت حبه كل من برسفونة التي اختطفها (هيديز) القيم على العالم السفلي حين كانت تجمع الأزهار في المروج الصقلية، وأفروديت (وهي صورة أخرى من عشتاروت) ربة الحب، فقضي عليه أن يقسم السنة بينهما، لهذه شطر وللأخرى شطر. كذلك كان الشاعر في هذه الفترة وفي ما سبقها، ما يكاد يمشي خطوة حتى يحس بأنه موزع بين قوتين تشده كل منهما إليها ونريد أن تستأثر به، ولم يستطع أن يجمع بين قوتين إلا حين استكشف رمز " أدونيس " أو " تموز "، ولكن الحديث عن هذا


(١) من قصيدة " غريب على الخليج " في ديوان أنشودة المطر: ١٦.

<<  <   >  >>