للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

رابطة، غير رابطة المكان، بينه وبين البابليين " (١) ؛ ويوسع بدر من حدود الحرية في استعمال الأسطورة؟ متكئا على المنطق الشعري وحده لا على المنطق العقلي - فيقرر أنه ليس من الضروري أن تقتصر على استعمال أساطير تربطنا بها رابطة من البيئة أو التاريخ أو الدين، بل يمكن الاستعانة بأية أسطورة غربية عنا، ما دامت تخدم غاية شعرية.

أما العامل الثاني في إحجامه أول الأمر عن أسطورة تموز فربما أرجعناه إلى ظهور رمز آخر في نفسه ينازع الأسطورة مكانتها ويحاول أن يحل محلها، وأعني بذلك رمز المسيح وما يتصل بذلك الرمز من إشارات. فقد كان هذا الرمز إشارة عابرة في قصيدة " غريب على الخليج " ثم تقو في " مرثية جيكور " ووجد على نحو واضح في " قافلة الضياع " ومنذ ذلك الحين أصبح رمزا هاما في خيال الشاعر إلى جانب تموز.

ولست أجد حرجا في الإجابة عن سؤال يخطر للقارئ في هذا الموقف، وهو: كيف يستطيع شاعر مسلم أن يتخذ من " الفداء "؟ وهو أحد المعالم البارزة التي تفصل فصلا تاما بين الإسلام والمسيحية؟ رمزا في شعره؟ والجواب على هذا السؤال لا ينفك عن أحد الفروض الآتية: أما أن ذلك الشاعر لم يفهم فكرة " الفداء " في المسيحية، وأما انه فهمها وهو لا يعبأ بالموقف الديني الذي نشأ عليه منها، وأما أنه؟ في سياق الشعر - يعد " الفداء " أسطورة من الأساطير، فهو لا يراها حقيقة تاريخية، وفي هذا الموقف الأخير يضيع الحد بين الظاهر والحقيقة، أمام عيني قرائه، لان الحقيقة حينئذ ذاتية تتصل بضميره الفردي.

أما بالنسبة للسياب فقد كانت هناك حوافز معينة دفعته إلى التعلق بذلك الرمز: وفي مقدمة تلك الحوافز ذلك الضياع الذي أحس به في


(١) المصدر نفسه.

<<  <   >  >>