للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لا يقوى على تحمل الآلام، ولكن الوهن في الواقع كان صدمة نفسية عميقة تزلزلت لها أركان جسمه، وكانت بداية النهاية في تلك الرحلة.

تلك رواية ترجح في نظري على ما حكاه الأستاذ علي السبتي، فقد ذهب إلى أن بداية الانحدار في صحة السياب إنما جاءت اثر مروره على مقهى يجلس فيه بعض أصحابه القدامى من الشيوعيين، فلما حياهم لم يردوا التحية بمثلها وإنما لاذوا بالصمت عامدين فأحس بجرح عميق وكآبة غالبة، وطوى النفس على ألم ومرارة، وفي صباح اليوم التالي حاول الوقوف على قدميه فلم تسعفه قوته.

وأكبر الظن أن هذه الرواية تحوير لما رواه هو عن نفسه في مقالاته التي هاجم الشيوعيين، فقد قال: " بالأمس كنت أسير في شارع أبي نواس مساء حين صادفني رفيقان من الرفاق الشرفاء جدا وقد عرفاني، قال أحدهما وهو يخاطب زميله بصوت عال يقصد منه اسماعي: " صاير قومي؟ انعل أبوك؟ " (١) على أنا لو مزجنا بين رواية الأستاذ السبتي وهذه الرواية لم يكن ثمة تناقض، ولكن ليس من المعقول ان يستكثر السياب تنكر رفاق الأمس له بعد تلك المقالات، وليس من الطبيعي ان تنجرح أحاسيسه من قوم لم يترك في اديمهم موضعا لسهم جديد.

ذلك الانهيار المبكر هو الذي يفسر لنا قول السياب في أتحدى قصائد ذلك العام (٢) :

منطرحا أصيح أنهش الحجار ... أريد أن أموت يا اله! ... فمع أن الموت أصبح هو " المنقذ " في نظره قبل هذه الفترة إلا أن


(١) الحرية، العدد: ١٤٧١.
(٢) المعبد الغريق: ٢٩ وتاريخ القصيدة ٢٦ - ٨ - ١٩٦١.

<<  <   >  >>