للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من دم الأحياء ويدس في القبلات مدى من حشرجات الموت، ويؤكد له أن عهد النبوات لم يظهر بعد، وان شريعة القوة والغضب ما تزال هي المسيطرة، وان تأليه القائمين على البحيرة أمر ممكن فطالما رفع الإنسان آلهته إلى قمة جبل.

ويبدو ان نواة القصيدة في مخيلة الشاعر كانت تعتمد المقارنة بين الوحوش الخالدة حارسة الكنز في البحيرة، وبين الإنسان الفاني الذي يحرس آلافا من الكنوز دون أن يستطع التحرر، ثم تطورت القصيدة بين يديه إلى مستوى جديد حين استحضر صورة عوليس وحرب طروادة وأخذ يجري المقارنة بينهما وبين وضع العراق في عهد قاسم، ولكنه لم يستطع ان يدرك معنى عميقا وراء عودته هو وعوليس إلى بحيرة شيني، فقد بدأ من طبيعة القصيدة أول الأمر أنها دعوة إلى استغلال مخزونات الطبيعة في سبيل رقي الإنسان ونهضته بدلا من انشغاله بالحروب والفتن، ثم تبين أنه يريد العودة إلى بحيرة شيني لأنه يريد أن يتوارى في ظلمات ليل آسية قبل ان يطلع " التبر " مثل وحش يأكل الموتى، انه يريد هو وصاحبه أن ينعما في ظلمات القرون وغيابات الجهل، مطمئنين إلى ان شريعة " الغضب " وتأليه الإنسان للقوى التي يورد تأليهها ما يزالان يحكمان الوجود؛ وهذه غاية من أسوأ ما تنتهي إليه قصيدة حتى ولو كنا اأخذ هذا القول على محمل السخرية. ولا ريب في أن الذي أوقع السياب في هذا المزلق هو فكرته الوعظية عن الذهب وقدرته على إفساد النفوس، تلك الفكرة التي استدها شعريا من اديث سيتول واستمدها معتقدا من القصص الذي يتمتع أحياناً بمسحة دينية، ورآها عمليا فكرة محببة حين أخفق في أن يجد " النقود " التي تعينه على المرض ومصاعب العيش. وتتعرض القصيدة لعيب آخر، عدا هذا التحول القاصم الذي أصابها، وهو تفكك التعبير وانبساطه وتمدده دون اعتماد على الايجاد، وقد ظهرت المقارنات فيها؟ من ثم

<<  <   >  >>