للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بوازي النخلة طولا ورسوخا وجلالا. وكان السياب يظن ان كل قصيدة طويلة تستحق أن تسمى " ملحمة "، ومع أننا لا نستطيع ان ننكر عليه النفس الملحمي وبعض الوسائل التي تتطلبها الملحمة، لا نقره على أن قصائده الطوال كانت ملاحم بالمعنى الفني الدقيق. وقد بسطت القول في قصائد هذه الفترة تحليلا ونقدا لأنها الصورة الأولى لجهد يحاول التفرد في الشكل والموضوع، وهي فترة تتميز بالازدواج على غير صعيد: فهناك ازدواج على صعيد الحياة نفسها وازدواج في موضوعات القصائد وثنائية لا يتطابق طرفاها في بناء القصيدة الواحدة أحيانا. وقد انقسمت تلك القصائد الطويلة في مجموعتين: مجموعة القصائد " اليسارية " التي تقوم على الازدواج بين الحرب والسلم والعبودية والحرية والدمار والبناء مثل " فجر السلام " و " الأسلحة والأطفال " ومجموعة أخرى تمثل البناء القائم على التداعي مثل " حفار القبور " و " المومس العمياء ". ويبدو الموضوع في المجموعة الأولى مفروضا على الشاعر ابتداء من خارج نفسه ولذلك تميزت تلك القصائد بالافتعال والفتور العام ومن ثم بالإخفاق في المبنى الفني كما ان قصائد المجموعة الثانية تمثل نقمة غير واضحة على الذات الخانعة المستسلمة وعلى سلطة الأب الجائرة القاسية، ولهذا كانت الروح " الدرامية " فيها ضعيفة جدا، وكان بناؤها على التداعي الحر سببا في إخفاق مبناها الفني كذلك. ولكن البحث عن الملحمة كان حلما يساور السياب حتى بعد أن تجاوز هذه الفترة، ولم يتضح له عجزه عنها إلا حين أخفقت قصيدته عن قصة القنبلة الذرية ورؤيا فوكاي فلم يتحقق لها مبنى منتظم موحد؛ ورغم الإخفاق في المبنى الفني فان هذه القصائد جميعا تدل على إخلاص عميق في سبيل الكشف عن المقدرة الشعرية، وتحمل في جوانبها شيئا كثيرا من أروع ما نظمه السياب.

وجاءت مرحلة الكشف التي سميتها " تجلي ارم "؟ لأن تجليها

<<  <   >  >>