للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويزيدون فيها من نشاط الحياة الأدبية. وهذه الصورة من التنقل هي القاعدة التي تفسر الشعر في المغرب أثناء القرن الخامس. وعلى هذا الاعتبار تكون صقلية الأدبية حلقة في سلسلة كبرى. أما مادة هذه الحلقة - حديدية كانت تلك المادة أو ذهبية - ففيها أثر من الصياغة المشرقية، والشيء الغامض في هذه الحياة الأدبية بصقلية هو مدى تأثرها بالأندلس نفسها.

أما أشهر الشعراء المهاجرين من وجهة عامة فهم ابن حمديس وأبو العرب الصقلي وابن أبي البشر البلنوبي الصقلي، والثالث بين هؤلاء توجه إلى المشرق وقد تقدمت الإشارة إليه بين من نزلوا مصر وزالوا فيها الدراسات اللغوية والنحوية. ولكنه كان إلى ذلك شاعراً وإذا استثنينا ابن حمديس كان شعره أكثر ما وصلنا لشاعر صقلي إذ يشمل الجزء المتبقي من ديوانه وجزءاً آخر اختاره العماد في الخريدة وجزءاً ثالثاً في مختصر الدرة وغيره، ولكن في دراسة هذا الشعر على أنه صقلي حيفاً على دقة البحث، إذ لا نلمح فيه أي ذكر أو إشارة لصقلية من ناحية، كما أن الطابع الفني العام فيه مفارق لسائر الشعر الصقلي، من ناحية أخرى. إنما من الطبيعي أن يدرس البلنوبي في ظل بيئات جديدة عاش فيها، وفي ظل ثقافته اللغوية النحوية العروضية. والشعر الذي بقى له كله في المدح والغزل وقصيدة واحدة في رثاء أمه التي توفيت بمصر. وممدوحوه كبني الموقفى واليازوري وعز الدولة وابن المدبر ورئيس الرؤساء كلهم من المشارقة. ومن المظاهر البارزة في شعره الرقة في الأسلوب إذا قورن بالشعر الصقلي عامة، واعتماد بعض أنواع من البديع. ومن المؤثرات التي تركها فيه تدريس العروض اعتماده أحياناً بناء القصيدة لتقرأ على عدة اوزان وهو الصقلي الوحيد الذي يحاول ذلك. أما دراسة اللغة والنحو فجعلته يوجه اهتمامه إلى محاولات تافهة من مثل الألغاز بالأسماء، وجمع حروف المعجم في بيت واحد. ولكن شعره عامة غير خاضع لنظرة عامة كونية وقد نستخلص منه وحدة تقع تحت عنوان اللذة تتبدد بها النزاعات المتضاربة وتمسخ منها، فهي حيناً لذة الفاتك وحيناً لذة العفيف

<<  <   >  >>