للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

جازى عليه، من قولك للمسيء: لأعْرِفَنَّ لك ما فعلت، أي: لأجازينَّك عليه، فاجازاها عليه السلام بأن طلَّقها، وآلى من نسائه شهراً، وقعد في مشربة مارية حتى نزلت آية التخيير، وقيل: هَمَّ بطلاقها، فقال له جبريل: لا تُطلِّقها، فإنها صوّامة قوّامة. هـ. قيل: المعرّف: حديث الإمامة، والمعرَض عنه: حديث مارية. {فلما نَبَّأها به} أي: أخبر صلى الله عليه وسلم حفصةَ بما عرفه من الحديث، قالت حفصة للنبي عليه السلام: {مَن أنبأكَ هذا قال نبأنيَ العليمُ الخبيرُ} الذي لا تخفى عليه خافية.

{إِن تتوبا إِلى الله} ، الخطاب لحفصة وعائشة، على الالتفات للمبالغة في العتاب، {فقد صَغَتْ قُلوبُكما} ؛ مالت عن الواجب في مخالصة رسول الله صلى الله عليه وسلم، مِن حُب ما يُحبه، وكراهة ما يكرهه، وكان عليه الصلاة والسلام شقَّ عليه تحريم مارية وكَرِهَه، وهما فرحا بذلك. وجواب الشرط: محذوف، أي: إن تتوبا إلى الله فهو الواجب، فقد زالت قلوبكما عن الحق، أو: تُقبلْ توبتكما، أو هو: " فقد صغت " أي: إن تتوبا زاغب قلوبكما فاستوجبتما التوبة، أو: فقد كان منكما ما يقضي أن يُتاب منه. قال ابن عطية: وهذا الجواب للشرط، وهو متقدم في المعنى، وإنما نزلت جواباً في اللفظ. هـ. وقُرىء " زاغت " من الزيغ.

{

وإِن تَظَاهرا عليه} أي: تتعاونا عليه بما يسوؤه، من الإفراط في الغيرة، وإفشاء سرّه، والفرح بتحريم مارية، {فإِنَّ اللهَ هو مولاه} ؛ وليُّه وناصره، وزيادة " هو " إيذان: أنّه يتولّى ذلك بذاته بلا واسطة، {وجبريلُ} أيضاً وليّه، الذي هو رئيس الملائكة المقرّبين، {وصالحُ المؤمنين} أي: ومَن صلح مِن المؤمنين، أي: كل مَن آمن وعمل صالحاً، وقيل: مَن برىء مِن النفاق، وقيل: الصحابة جملة، وقال ابن عباس: أبو بكر وعمر، ورُوي مرفوعاً، وبه قال عكرمة ومقاتل، وهو اللائق؛ لتوسيطه بين جبريل والملائكة عليهم السلام، فإنه جمع بين التظاهر المعنوي والتظاهر الحسي، فجبريل ظاهَره عليه السلام بالتأييدات الإلهية، وهما وزيراه وظهيراه في أمور الرسالة، وتمشية أحكامها الظاهرة، ولأنَّ تظاهرهما له صلى الله عليه وسلم أشد تأثيراً في قلوب ينتيْهما، وتوهيناً في حقهما، فكانا حقيقا بالذكر، بخلاف ما إذا أريد به جنس الصالحين، كما هو المشهور. قاله أبو السعود.

{والملائكةُ} مع تكاثر عددهم وامتلاء السموات من جموعهم {بعد ذلك} أي: بعد نصرةِ الله عزّ وجل، وناموسه الأعظم، وصالح المؤمنين، {ظهيراً} أي: فوْج ظهير مُعاون له، كأنهم يد واحدة على مَن يعاديه، فماذا يفيد تظاهر امرأتين على مَنْ هؤلاء ظُهراؤه؟ ولمّا كانت مظاهرة الملائكة من جملة نصرة الله، قال: {بعد ذلك} تعظيماً لنصرتهم ومظاهرتهم.

{عسى ربُّه إِن طَلَّقكُنَّ أن يُبْدِلَه} بالتخفيف، والتشديد للتكثير، أي: يعطيه اللهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>