للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لترتيب ما بعد كل على ما قبله، فإنَّ توسط الجمع مترتب على الإثارة المترتب على الإغارة، المترتبة على الإيراء، والمترتب على العدْو.

وجواب القسم: قوله تعالى: {إِنَّ الإِنسانَ لِربه لَكَنُود} أي: لَكفور، من: كند النعمة: كَفَرها. وقيل: الكنود هو الذي يمنع رفده، ويأكل وحده، ويضرب عبده. وقيل: اللوّام لربه، يَعْد المحنَ والمصائبَ، وينسى النعم والراحات. وعلى كل حالٍ فلا يخرج عن أن يكون فسقاً أو كفراً أو تقصيراً في شكر الله على نعمه، وتقصيراً وتفريطاً في الاستعداد للقائه، وفي التعظيم لجنابه، وبالجملة فهو القليل الخير، ومنه: الأرض الكنود، التي لا تُنبت شيئاً. قال: في الحاشية الفاسية: والظاهر من سياق السورة أنّ الكنود هو مَن اهتمامه بدنياه دون آخرته، ولذلك كان حريصاً على المال، ويرتكب المشاق في جمعه، ولا يُبالي بآخرته، ولا يستعد لمآله ولا لآخرته، ولا يُقَدِّم لها، وذلك لغفلته وجهله بربه وما أراده منه، وطلبه من السعي للآخرة، وقد ضَمِنَ له رزقه، فلذلك بعد أن عدّد مذامّه هدّده ورهّبه بقوله: {أفلا يعلم ... } الآية. هـ.

والآية إمّا في جنس الإنسان إلاَّ مَن عصمه الله، وهو الأظهر، أو في مُعَيَّن، كالوليد أو غيره. قيل: إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى أُناس من بني كنانة سرية، واستعمل عليها المُنذر بنَ عَمرو الأنْصاريّ، وكان أحد النقباء، فأبطأ خبره عنه صلى الله عليه وسلم شهراً، فقال المنافقون: إنهم قُتلوا، فنزلت السورة بسلامتها، بشارةً له صلى الله عليه وسلم ونعياً على المرجفين وهذا يقتضي أن السورة مدنية، وهو خلاف قول الجمهور، كما تقدّم. {وإِنه} أي: الإنسان {على ذلك} أي: على كنوده {لَشَهِيدٌ} يشهد على نفسه بالكنود، لظهور أثره عليه، {وإِنه لِحُبّ الخير} أي: المال {لَشَدِيدٌ} أي: قويٌّ مُطيق مُجد في طلبه، متهالك عليه، وقيل: لشديد: لبخيل، أي: وإنه لأجل حب المال وثقل إنفاقه عليه لبَخِيل مُمْسِك، ولعل وصفه بهذا الوصف اللئيم بعد وصفه بالكنود للإيماء إلى أنَّ مِن جملة الأمور الداعية المنافقين إلى النفاق حب المال؛ لأنهم بما يُظهرون من الإيمان يعصمون أموالهم، ويحوزون من الغنائم نصيباً.

ثم هدّد الكَنود، فقال: {أفلا يعلمٌ إِذا بُعْثِر ما في القبور} أي: بُعث فيها، و " ما " بمعنى " من "، {وحُصِّلَ ما في الصدور} ؛ مُيِّز ما فيها من الخير والشر، أي: أفلا يعلم مصيره، وأنَّ الله مُطلع عليه، في سيرته وسريرته، فيُجازيه على تفريطه في جنبه وطاعته واتباع هواه وشهواته، فآثر العاجلةَ على الآخرة، وحظوظَه، على حقوق ربه والقيام بعبوديته. {إِنَّ ربهم بهم يومئذٍ لَخبير} أي: عالم بظواهر ما عمِلوا وباطنه، عِلماً موجباً للجزاء، متصلاً به، كما يُنبىء عنه تقييده بذلك اليوم، إلاَّ فعلمه سبحانه مطلق محيط بما كان وما سيكون. وقوله: " بهم " و " يومئذ " يتعلقان بـ " بخبير " قُدما لرعاية الفواصل، واللام غير قادحة، وذلك لما يغتفر في المجرورات، وقرأ ابن السمّاك: " أن ربهم بهم يومئذ خبير ".

<<  <  ج: ص:  >  >>