للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

علمه أو حاله بانقطاع نَسْله الروحاني، ولا شك في فضل بقاء النسل الحسيّ أو المعنوي، وقد قال عليه الصلاة والسلام: «إِذَا مَاتَ العبدُ انْقَطَعَ عَمَلُه إِلاَّ مَن ثَلاثٍَ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ وَلَدٍ صالح يدعُو لَهُ، أوْ عِلَم يُنْتَفَعُ به» .

وشمل الولد البشري والروحاني، وقال عليه الصلاة والسلام لسيدنا علي- كَرّم الله وجهه-: «لأنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِداً خَيْرٌ لكَ مِنْ حُمْر النَعَمِ» .

وقال بعض الشعراء «١» :

وَالمَرْءُ في مِيزانِه أتْباعُهُ ... فاقْدرْ إِذَنُ قَدْرَ النبي مُحمَّد

وقد سلَك هذا المسلك القطب ابن مشيش في طلب الولد الروحاني، حيث قال في تصليته المشهورة: (اسمع ندائي بما سمعت به نداء عبدك زكريا) ، فأجابه الحق تعالى بشيخ المشايخ القطب الشاذلي. وغير واحد من الأولياء دخل محراب الحضرة، ونادى نداءً خفيّاً في صلاة الفكرة، فأجابته الهواتف في الحال، بلسان الحال أو المقال: إن الله يبشرك بمن يحيي علمك ويرث حالك، مصدقاً بكلمة من الله، وهم أولياء الله، وسيداً وحصوراً عن شواغل الحس، مستغرقاً في مشاهدة القرب والأنس، ينبئ بعلم الغيوب، ويصلح خلل القلوب، فإذا استعظم ذلك واستغربه، قيل له: الأمر كذلك، (الله يفعل ما يشاء إِذا قضى أمرًا فإِنما يقولُ له كن فيكون) ، فحسبك الاشتغال بذكر الله، والغيبة عما سواه. وبالله التوفيق، وهو الهادي إلى سواء الطريق.

ثم ذكر اصطفائية مريم بالخصوص بعد العموم فقال:

[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٤٢ الى ٤٣]

وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ (٤٢) يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (٤٣)

يقول الحق جلّ جلاله: واذكر إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ أي: جبريل، أو جماعة، كلمتها شفاهاً كرامةً لها.

وفيه إثبات كرامة الأولياء، وليست نبية للإجماع على أنه تعالى لم يستنبئ امرأة لقوله: وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فقالوا لها: يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ لخدمة بيته، ولم يقبل قبلك أنثى قط، وفرغك لعبادته، وأغناك برزقه عن رزق غيره، وَطَهَّرَكِ من الأخلاق الذميمة، ومما يستقذر من النساء، وَاصْطَفاكِ ثانياً بهدايته لك، وتخصيصك بتكليم الملائكة، وبالبشارة بالولد من غير أب، فقد اصطفاك عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ. «٢»


(١) وهو الشيخ البوصيرى.
(٢) انظر فى مسألة نبوة مريم: فتح الباري ٦/ ٥٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>