للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإشارة: هذه الآية تنسحب على علماء السوء، الذين يفتون بغير المشهور، لحظ يأخذونه من الدنيا، وعلى قضاة الجور الذين يحكمون بالهوى، ويعتمدون على الأقوال الواهية، ويقولون هو من عند الله، وما هو من عند الله.

وكذلك بعض المنتسبين من الفقراء، يتصنعون إلى العامة، يطمعون فيما في أيديهم من الحطام، فيظهرون لهم علوماً ومعارف وحكماً، يلوون ألسنتهم بها وقلوبهم خاوية من معناها، فظاهر حالهم يُوهم أن ذلك موافق لقلوبهم، وأنهم عاملون بذلك، وباطنهم يكذبهم في ذلك، (وَاللَّهُ يهدي مَن يشاء إلى صراط مستقيم) .

ثم أبطل الله تعالى شبهة اليهود والنصارى فى عبادة عيسى وعزير وغيرهم، فقال:

[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٧٩ الى ٨٠]

ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (٧٩) وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (٨٠)

قلت: البشر: اسم جمع لا مفرد له، يطلق على الجماعة والواحد. والرباني: هو الذي يُربي الناس ويؤدبهم ويُهذبهم بالعلم والعمل. وقال ابن عباس: (هو الذي يُربي الناس بصغار العلم قبل كباره) ، والنون فيه للمبالغة، كلحياني ورقباني. و (لا يأمركم) بالرفع، استئناف، وبالنصب: عطف على «يقول» ، و «لا» مزيدة،: أي ما كان لبشر أن يستنبئه الله، ثم يأمر بعبادة نفسه، ويأمر باتخاذ الملائكة أرباباً. أو غير مزيدة، والتقدير: ليس له أن يأمر بعبادته ولا باتخاذ الملائكة أرباباً.

يقول الحق جلّ جلاله: ما كانَ ينبغي لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ أي: الفصل بين العباد، وَالنُّبُوَّةَ أي: الوحي بالأحكام، ثُمَّ يَقُولَ بعد ذلك لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ أو مع الله، أو يرضى أن يعبد من دون الله، وَلكِنْ يقول لهم: كُونُوا رَبَّانِيِّينَ أي: علماء بالله، فقهاء في دينه، حلماء على الناس، تُربون الناس بالعلم والعمل والهمة والحال، بسبب بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ من كتاب الله وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ منه، أو بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الناس من الخير بكتاب الله، وما كنتم تدرسونه عليهم. ولمّا مات ابن عباس- رضى الله عنهما- قال محمد بن الحنفية: (مات ربَّاني هذه الأمة) .

وَلا يَأْمُرَكُمْ ذلك البشر الذي خصه الله بالنبوة، أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً من دون الله، أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ أي: منقادون لأحكام الله. قيل: سبب نزول الآية: أن نصارى نجران قالوا: يا محمد تريد أن نعبدك ونتخذك ربا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «معاذ الله أن نعبد غيرَ الله، أو نَأمُرَ بعبادة غيره» . وقيل: أن رجلاً قال: يا رسول الله: نُسلِّم عليك كما يُسلِّم بعضُنا على بعض، أفلا نسجُد لك؟ فقال:

«لا يَنْبَغِي ان يسجد احدٌ لأحدٍ من دُونِ اللهِ، ولكنْ أكْرِموا نَبِيَّكُمْ، واعْرِفُوا الحقَّ لأَهْلِه» .

<<  <  ج: ص:  >  >>