للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلِكَ الذل والمسكنة والبواء بالغضب بسبب أنهم كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ المنزلة على رسوله، أو الدالة على توحيده، وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ بل ظلماً وعدواناً، ذلك الكفر بسبب عصيانهم واعتدائهم حدود الله، فإن الإصرار على الصغائر يُفضي إلى الكبائر، والإصرار على الكبائر يؤدي إلى الكفر لأن المعاصي بريد الكفر، والعياذ بالله.

الإشارة: ولو آمن أهل العلم الظاهر بطريق الخصوص، وحطوا رؤوسهم لأهل الخصوصية لكان خيرا لهم، لتتسع عليهم دائرة العلوم، وتفتح لهم مخازن الفهوم، منهم من يقر بوجود الخصوصية، ويعجز عن حمل شروطها، وأكثرهم ينكرونها ويحتجون لأنفسهم بقول من قال: انقطعت التربية في القرن الثامن، فيموتون مصرين على الإنكار والعصيان، فلن يضركم إنكارهم أيها الفقراء، فإنهم لا قدرة لهم عليكم، للرعاية التي أحاطت بكم، إلا أذى بلسانهم، وعلى تقدير لحوق ضررهم في الظاهر، فإن الله يُغيِّبْ ألمّ ذلك عنكم في الباطن، كما شاهدناه من بعض الفقراء، وإن يُهددوكم بالقتل والجلاء، فإن الله لا يَنْصُرُهم في الغالب.

قلت: وقد هددونا بالضرب والرفع إلى السلطان والجلاء إلى برِّ النصارى، فلم يقدروا على شيء من ذلك، وقد وقع ذلك لبعض الصوفية زيادةً في شرفهم وعزّهم، فالمنكر على الصوفية «١» لا يزال في هَمٍّ وغمٍّ وذُلٍّ ومسكنة، لخراب باطنه من نور اليقين. فإنَّ الانتقاد على الأولياء جناية واعتقادهم عناية، فإن استمر على أذاهم كان عاقبته سوء الخاتمة، فيبوء بغضب من الله بسبب اعتدائه على أولياء الله، «ومن آذى لي وليا فقد أذن بالحرب» ، رزقنا الله الأدب معهم، وأماتنا على محبتهم، آمين.

ولمّا كان من اليهود من أسلم وحسن إسلامه استثناه الله تعالى، فقال:

[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١١٣ الى ١١٥]

لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللَّهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (١١٣) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَأُولئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (١١٤) وَما يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (١١٥)

قلت: (قائمة) أي: مستقيمة، من أقمت العود فقام، أو قائمة بأمر الله. و (آناء الليل) : ظرف، واحده: (إنّي) ، بكسر الهمزة وسكون النون، كنحى وأنحاء، أو (إني) ، كمِعىً وأمعاء، و (لن تكفروه) أي: لن تحرموه، وعدي (كفر) إلى مفعولين لتضمنه معنى حرم أو منع.


(١) أي: الصوفية الملتزمة، لا صوفية المزمار.

<<  <  ج: ص:  >  >>