للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ظهرت البغضاء من أفواههم، وما تحفى صدورهم أكبر، فإن كنتم أيها الفقراء تحبون لهم الخير فإنهم بعكس ذلك، وإن كنتم تقرون شريعتهم فإنهم لا يؤمنون بحقيقتكم، بل ينكرونها عليكم، ومنهم من يتصف بالنفاق، إذا لقي أهل الخصوصية أظهر التصديق والمحبة، وإذا خلا مع العامة أظهر العداوة والحَنَق، وإن تمسسكم أيها الفقراء حسنة، كعز وفتح وشهود ومعرفة تَسؤْهم، وإن تصبكم سيئة كمحنة أو بلية، يفرحوا بها، وإن تصبروا على أذاهم وجفوتهم، وتتقوا شهود السوى فيهم، لا يضركم كيدهم شيئاً (إن الله بما يعملون محيط) .

ولما فرغ الحق تعالى من معاتبة أهل الكتابين، شرع فى معاتبة بعض المسلمين لما وقع لهم في غزوة أحد من الفشل، فقال:

[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١٢١ الى ١٢٢]

وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٢١) إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُما وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١٢٢)

يقول الحق جلّ جلاله: واذكر يا محمد حين غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ من منزل عائشة، الذي نَزَلْتَ فيه بأحد، حين خرجت بها، حال كونك تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ أي: تهيئ لهم، مَقاعِدَ لِلْقِتالِ أي: مواقف وأماكن يقفون فيها للحرب وَاللَّهُ سَمِيعٌ لأقوالكم، عَلِيمٌ بإخلاصكم.

قال الواقدي: خرج النبي صلى الله عليه وسلم من منزل عائشة- رضي الله عنها- ماشياً على رجليه إلى أُحد، فجعل يصف أصحابه للقتال كأنما يقوم بهم القدح «١» . أن رأى صدراً خارجاً، قال: تأخر. وذلك أن المشركين نزلوا بأحد، يوم الأربعاء، فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم بنزولهم استشار أصحابه، ودعا عبد الله بن أبي بن سلول- ولم يدْعُه قط قبلها- فاستشاره، فقال عبد الله بن أبي وأكثر الأنصار: يا رسول الله أَقِمْ بالمدينة ولا تخرج إليهم، فو الله ما خرجنا منها إلى عدو قط إلا أصاب منا، ولا دخل علينا إلا أصبنا منه، فكيف وأنت فينا! فدعهم يا رسول الله، فإن أقاموا أقاموا بشر محبس، وإن دخلوا قاتلهم الرجال في وجوههم، ورماهم النساء والصبيان بالحجارة، وإن رجعوا رجعوا خاسئين. فأعجب النبي صلى الله عليه وسلم هذا الرأي، وقال بعض أصحابه: يا رسول الله اخرج بنا إلى هذه الأكْلُب «٢» لا يرون أنا جَبُنَّا عنهم وضعفنا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي رأيتُ في منامِي بَقَراً تذبح، فأولتها ناساً من أصحابي يُقتلون، ورأيت في ذُبابِ سَيْفي ثلماً «٣» ، فأولتها هزيمةً، ورأيت أني أدخل يدي في درع حصينة، فأولتها المدينة، فإن رأيتُمْ أن تُقيموا بالمدينة وتدعوهم فافعلوا» . فقال رجال ممن فاتهم بدر، وأكرمهم الله بالشهادة يوم أحد: اخرج بنا


(١) القدح- بالكسر: السهم قبل أن ينصل ويراش.
(٢) فى نسخة: (الكلاب) ، وكلاهما صحيح فالكلب يجمع على كلاب وأكلب.
(٣) الثلم: الكسر.

<<  <  ج: ص:  >  >>