للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلمزَهم المنافقون، وقالوا: ما أعطى عبد الرحمن وعاصم إلا رياءً، ولقد كان الله ورسوله لغنيين عن صاع أبي عقيل، فنزلت الآية «١» .

ونزلت في أبي عقيل: وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ إلا طاقتهم، فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ يستهزءون بهم. قال تعالى: سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ جازاهم على سخريتهم، كقوله: اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ «٢» ، وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ على كفرهم.

اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ، يريد به التساوي بين الأمرين في عدم الإفادة، كما نص عليه بقوله:

إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ، رُوي إنَّ عبد الله بن عبد الله بن أبي- وكان من خيار المسلمين- سأل رسول الله صلى الله عليه وسلّم، في مرض أبيه، أن يستغفر له، ففعل، فنزلت: سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ «٣» ، وذلك لأنه- عليه الصلاة والسلام- فَهِمَ من السبعين العدد المخصوص، وقال:

ولو علمت أني إن زدت على السبعين غُفِر له، لزدت «٤» ، فبيَّنَ له أن المراد به التكثير، دون التحديد، وقد شاع استعمال السبعة والسبعين والسبعمائة في التكثر لاشتمال السبعة على جملة أقسام العدد، فكأنه العدد بأسره قاله البيضاوي.

ذلِكَ أي: عدم قبول استغفارك بسبب أنهم كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ أي: ليس لبُخل منا، ولا تقصير في حقك، بل لعدم قابليتهم بسبب الكفر الصارف عنها. وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ المتمردين في كفرهم، وهو كالدليل على الحكم السابق، فإن مغفرة الكافر بالإقلاع عن الكفر، والإرشاد إلى الحق، والمنهمك في كفره، المطبوع عليه، لا ينقلع ولا يهتدي، والتنبيه على عذر الرسول في استغفاره، وهو عدم يأسه من إيمانهم، ما لم يعلم أنهم مطبُوعون على الضلالة، والممنوع هو الاستغفار بعد العلم لقوله: مَا كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ ... الآية «٥» . قاله البيضاوي.

الإشارة: من نصب الميزان على المؤمنين فيما يصدر منهم، أو على الصالحين أو الأولياء فيما يظهر عليهم، حتى يسخر منهم، سخر الله منه، وأبعده من رحمته، فلا تنفع فيه شفاعة الشافعين ولا استغفار المستغفرين. وفى


(١) ذكره الواحدي فى أسباب النزول (٢٦٠) عن قتادة.
(٢) من الآية ١٥ من سورة البقرة.
(٣) من الآية ٦ من سورة المنافقون.
(٤) أخرجه بسياق آخر، البخاري فى (تفسير سورة التوبة) . ومسلم فى (فضائل الصحابة، باب من فضائل عمر) عن ابن عمر.
(٥) الآية ١١٣ من سورة التوبة.

<<  <  ج: ص:  >  >>