للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعبد الله بن مُغفَّل «١» ، وعُلْية بن زيد. أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقالوا: نذرنا الخروج فاحملنا على الخفاف المَرْقُوعة، والنِّعال المخصوفة، نغزوا معك، فقال: لا أجد، فتولَّوا وهم يبكون «٢» . وقيل: هم بنو مُقَرِّن، وقيل: أبو موسى وأصحابه، وعليه اقتصر البخاري.

قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ وليس عندي ما أحملكم عليه، تَوَلَّوْا عنك وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ أي: يفيض دمعها حَزَناً على أَلَّا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ في غزوهم.

زاد البخاري: فلما رجع أبو موسى وأصحابه، أتى- عليه الصلاة والسلام- بِنَهَب إبل «٣» ، فدعاهم وحملهم عليها، فقالوا: يا رسول الله، إِنَّكَ حَلَفتَ أَلا تِحْمِلنَا، فخفنا أن نكون أغفلناك يمينك، فقال: «ما أنا حملتكم، ولكن الله حملكم، وإنِّي والله، ما أحْلِفُ على يَمِينٍ فَأرَى خَيْراً مِنْها إلا كَفّرْتُ عن يَمِيني وأَتَيتُ الذي هُوَ خَيْر» «٤» . أو كما قال عليه الصلاة والسلام.

قال تعالى: إِنَّمَا السَّبِيلُ أي: الحرج والمعاتبة عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ في القعود، وَهُمْ أَغْنِياءُ واجدون للأهبة، رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ كالنساء والصبيان، وهو استئناف لبيان ما هو السبب لاستئذانهم من غير عذر، وهو رضاهم بالدناءة، والانتظام في جملة النساء والصبيان إيثارا للدعة والكسل، وَطَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ بالكفر والغفلة حتى غفلوا عن وخامة العاقبة، فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ما يؤول إليه حالهم من الندم والأسف.

الإشارة: كل مَن لم ينهض إلى صحبة الخصوص الذين جعلهم الله أدوية القلوب، توجه العتاب إليه يوم القيامة، إذ لا يخلو من لم يصحبهم من عَيب أو نقص أو خاطر سوء، حتى ربما يلقى الله بقلب سقيم.

قال الشيخ أبو الحسن الشاذلى رضى الله عنه: من لم يتغلغل في علمنا هذا، مات مُصرًا على الكبائر وهو لا يشعر. وقال الغزالي: دواء القلوب واجب عيناً على كل مسلم، فكل من قصر في ذلك عُوقب يوم القيامة، إلا من حبسه عذر صحيح: من مرض مزمن، أو كبر سن، أو فقر مدْلق. قال تعالى: (ليس على الضعفآء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله) ، فإن أحبوا أولياء الله، وصدقوهم وعظموهم، ودلّوا الناس على صحبتهم، فهؤلاء محسنون، (ما على المحسنين من سبيل والله غفور) لضعفهم، (رحيم) بهم.


(١) فى الأصول: معقل.
(٢) أخرجه الطبري فى التفسير (١٠/ ١٤٦) وذكره الواحدي فى الأسباب (٢٦٢) عن محمد بن كعب القرظي.
(٣) نهب أي: غنيمة.
(٤) أخرجه البخاري فى (المغازي، باب قدوم الأشعريين وأهل اليمن) .

<<  <  ج: ص:  >  >>