للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوع ما يتربصونه عليهم. قال البيضاوي: الدوائر في الأصل: مصدر أضيف إليه السوء للمبالغة، كقولك: رَجلُ صدق. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: «السُّوء» هنا، وفي الفتح «١» بضم السين. هـ. وَاللَّهُ سَمِيعٌ لما يقولونه عند الإنفاق، عَلِيمٌ بما يضمرونه من الرياء وغيره.

ثم ذكر ضدهم، فقال: وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَيَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ أي: يعد ما ينفقه من الزكاة وغيرها قُرُباتٍ عِنْدَ اللَّهِ تُقربهم إليه زلفى لإخلاصهم فيها. وَصَلَواتِ الرَّسُولِ أي:

ويتخذ ما ينفق سبَبَ صلوات الرسول لأنه- عليه الصلاة والسلام- كان يدعو للمتصدقين، ويقول: اللهم صل على فلان، ويستغفر لهم. ولذلك سُن للمصدّق عليه أن يدعو للمتصدق عند أخذ صدقته، لكن ليس له أن يصلي عليه، كما كان يفعل صلّى الله عليه وسلّم لأن ذلك منصبه، فله أن يتفضل به على غيره.

أَلا إِنَّها أي: نفقاتهم، قُرْبَةٌ لَهُمْ تقربهم إلى حضرة ربهم، وهذا شهادة من الله لصحة معتقدهم وكمال إخلاصهم، سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ، وعدٌ من الله لهم بإحاطة الرحمة بهم، أو سيدخلهم في جنته التي هي محل رحمته وكرامته، والسين لتحقق وقوعه. إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ يغفر ما فرط من الخلل، ويتفضل برحمته على ما نقص عن درجات الكمال. قيل: إن الآية الأولى نزلت في أسد وغطفان وبني تميم فهم الذين يتخذون ما ينفقون مغرماً. والثانية نزلت في عبد الله ذي البجادين وقومه فهم الذين يتخذون ما ينفقون قربات عند الله وصلوات الرسول. والله تعالى أعلم.

الإشارة: قد ورد الترغيب في سكنى المدن لأنها محل العلم وسماع الوعظ، وفيها من يستعان بهم على الدين، وورد الترغيب أيضاً في سكنى الجبال والفرار بالدين من الفتن، وخصوصاً في آخر الزمان. ولهذا اختار كثير من الصحابة والتابعين سكنى البوادي كأبي ذر، وسلمة بن الأكوع، وغيرهما- رضى الله عنهم-.

والتحرير في المسألة: أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص والمقاصد، فمن كان مراده تحقيق الشريعة، وتحرير مسائل العلم الظاهر، والقيام بوظائف الدين، ولم يجد في البادية من يعينه على ذلك فسكنى المدن أفضل له، ومن كان مراده تصفية قلبه وتحقيق علم الطريقة، وتهيئة القلب لإشراق أنوار الحقيقة، فالاعتزال في البوادي، وقرون الجبال، أوفق له، إن وجد من يستعين بهم على ذلك لأن شواغل المدن وعوائدها كثيرة، وقد كثرت فيها الحظوظ والأهوية فلا تجد فيها إلا من هو مفتون بدنيا أو مبتلى بهوى، بخلاف أهل البادية، هذه العوائد فيهم قليلة، وجُلّ أهلها على الفطرة.

وأيضاً: هم مفتقرون إلى من يسوسهم بالعلم أكثر من غيرهم، فمن تصدى لتعليمهم وتذكيرهم لا يعلم قدره إلا الله. قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضى الله عنه: [أرحم الناس بالناس: من يرحم من لا يرحم نفسه] . أي: من يرحم


(١) فى قوله تعالى: وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ.. الآية ٦ من سورة الفتح.

<<  <  ج: ص:  >  >>