للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خبره، أي: وممن وصفنا: الذين، أو منصوب على الذم، و (ضراراً) وما بعده: علة، وأصل (هارٍ) : هائر، فأخرت الهمزة، ثم قلبت ياء، ثم حذفت لالتقاء الساكنين.

يقول الحق جلّ جلاله: وَمنهم الَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً أي: لأجل المضارة بالمؤمنين وللكفر الذي أسروه، وهو تعظيم أبي عامر الكافر، وَتَفْرِيقاً بَيْنَ جماعة الْمُؤْمِنِينَ الذين كانوا يُصلون في مسجد قباء.

رُوي أن بَني عَمْرو بن عوف لَمَّا بَنَوا مسجد قُباء سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلّم أن يأتيهمْ فيصلي فيه، فأتاهُمْ فصلَّى فيه، فَحَسدتهم إخوانُهم بَنو غُنم بن عوفٍ، فبنوا مسجداً على قصد أن يؤمهم فيه أبو عامر الراهب، إذا قدم من الشام، فلما أتموه أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فقالوا: إنا قد بنينا مسجداً لذي الحاجة والعلة والليلة المطيرة، فصل لنا فيه حتى نتخذهُ مصلى، وكان ذلك قبل خروجه لتبوك، فقال لهم: «إني عَلى جَنَاح سَفَرٍ، وإذا قَدِمنا، إِن شاء الله، صلَّينا فيه» . فلما قدم أتوه، فأخذ ثوبه ليقوم معهم، فنزلت الآية، فدعا مالك بن الدُّخشم، ومَعن بن عدي، وعامر بن السَّكن، فقال: انطلقوا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدموه وحرقوه ففعلوا، واتخذوا مكانه كناسة «١» .

ثم أشار إلى قصدهم الفاسد، فقال: وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أي: واتخذوه انتظاراً ليؤمهم فيه من حارب الله ورسوله، يعني: أبا عامر الراهب، فإنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلّم يوم أحد: لا أجد قوماً يقاتلونك إلاَّ قاتلتك معهم، فلم يزل يقاتله إلى يوم حنين، فانهزم مع هوازن، ثم هرب إلى الشام ليأتي من قيصر بجنود يحارب بهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فمات بِقنَّسرَينَ «٢» طريداً وحيداً. وكان أهل المدينة يسمونه قبل الهجرة: الراهب، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلّم الفاسق.

وقوله: مِنْ قَبْلُ: متعلق بحارب، أي: حارب من قبل هذا الوقت، أو باتخذوا، أي: اتخذوا مسجداً من قبل أن ينافق هؤلاء بالتخلف لأنه قبيل غزوة تبوك. وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى أي: ما أردنا ببنيانه إلا الخصلة الحسنى، وهي الصلاة والذكر والتوسعة على المسلمين. وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ في حلفهم.

ثم نهاه عن الصلاة فيه فقال: لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً للصلاة إسعافاً لهم، لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ من أيام وجوده، أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ أي: أولى بأن تصلى فيه، وهو مسجد قباء، أسسه رسول الله صلى الله عليه وسلّم في أيام مُقامه بقباء، حين هاجر من مكة، من الاثنين إلى الجمعة، وهذا أوفق للقصة. وقيل: مسجد الرسول صلّى الله عليه وسلّم لقول أبي سعيد: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلّم عنه؟ فقال: «مسْجدُكم هذا مسجد المدينة» «٣» .


(١) انظر تفسير البغوي ٤/ ٩٣- ٩٤ وأسباب النزول للواحدى (٢٦٤) .
(٢) قنسرين: مدينة قريبة من حلب من جهة حمص.
(٣) أخرجه مسلم فى (الحج، باب بيان أن المسجد الذي أسس على التقوى هو مسجد النبي صلى الله عليه وسلّم بالمدينة) .

<<  <  ج: ص:  >  >>