للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونُرِيَنَّكَ فعله، أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ: عطف عليه. فَإِلَيْنا جواب نَتَوَفَّيَنَّكَ، وجواب الأول محذوف، أي: إن أريتك بعض عذابهم في الدنيا فذاك، وإن توفيناك قبل ذلك فإلينا مرجعهم.

يقول الحق جلّ جلاله: وَاذكر يَوْمَ يَحْشُرُهُمْ ونجمعهم للحساب، فتقصر عندهم مدّة لبثهم في الدنيا وفي البرزخ، كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنَ النَّهارِ يستقصرون مدّة لبثهم في الدنيا، أو في القبور لهول ما يرون، حال كونهم يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ أي: يعرف بعضهم بعضاً، كأن لم يتفارفوا إلا قليلاً، وهذا في أول حشرهم، ثم ينقطع التعارف لشدة الأمر عليهم لقوله: وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً. يُبَصَّرُونَهُمْ «١» .

قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ خسرانا لاربح بعده، وَما كانُوا مُهْتَدِينَ إلى طريق الربح أصلاً، أو إلى طريق توصلهم إلى معرفة الله ورضوانه، لترك استعمال ما منحوه من العقل فيما يوصل إلى الإيمان بالله ورسله، فاستكسبوا جهالات أدت بهم إلى الرّدى والعذاب الدائم.

وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ أي: مهما نبصرنك بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ من العذاب في حياتك، كما أراه يوم بدر.

أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ قبل أن نريك فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ فنريكه في الآخرة، ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ، فيجازيهم عليه حينئذٍ، فالترتيب إخباري.

وقال البيضاوي، تبعاً للزمخشري: ذكر الشهادة وأراد نتيجتها ومقتضاها، وهو العقاب، ولذلك رتبها على الرجوع بثم، أو مؤدِّ شهادته على أفعالهم يوم القيامة. هـ.

وَلِكُلِّ أُمَّةٍ من الأمم الماضية رَسُولٌ يبعثه إليهم، يدعوهم إلى الحق، فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ بالمعجزات «فكذبوه» قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ: بالعدل، فأنجى الرسولَ ومن تبعه، وأهلك المكذبين وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ، حيث أعذر إليهم على ألسنة الرسل. وقيل معناه: لكل أمة يوم القيامة رسول تنسب إليه.

كقوله: يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ «٢» فإذا جاء رسولهم الموقفَ ليشهد عليهم بالكفر أو بالإيمان قُضِيَ بَيْنَهُمْ بإنجاء المؤمنين وعقاب الكافرين، كقوله: وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ «٣» .

وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ الذي تعدنا، استبعاداً له واستهزاء به إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ فيه، وهو خطاب منهم للنبى صلّى الله عليه وسلّم.


(١) من الآيتين ١٠- ١١ من سورة المعارج.
(٢) الآية ٧١ من سورة الإسراء.
(٣) الآية ٦٩ من سورة الزمر.

<<  <  ج: ص:  >  >>