للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أهلكتموني وتخلصتم من ثقل مقامي وتذكيري. ثُمَّ اقْضُوا أي: انفذوا قضاءكم إِلَيَّ فيما تريدون. وقرأ السري بن يَنْعَم: «أفضوا» بالفاء وقطع الهمزة، أي: انتهوا إليَّ بشرِّكم، وَلا تُنْظِرُونِ: ولا تمهلون.

فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ: أعرضتم عن تذكيري، فَما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ يوجب توليكم وإعراضكم لثقله عليكم.

واتهامكم إياي لأجله، أو يفوتني إذا توليتم عني، إِنْ أَجْرِيَ: ما ثوابي على الدعوة والتذكير إِلَّا عَلَى اللَّهِ لا تعلق لي بشيء دونه، آمنتم أو توليتم، وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ المنقادين لحكمه، لا أخالف أمره، ولا أرجو غيره.

فَكَذَّبُوهُ: فأصروا على تكذبيه بعد إلزامهم الحجة، وتبين ان توليهم ليس إلا لعنادهم وتمرُّدهم فلا جرَم حقت عليهم كلمةُ العذاب، فهلكوا بالغرق، فَنَجَّيْناهُ وَمَنْ آمن مَعَهُ فِي الْفُلْكِ، وكانوا ثمانين، وَجَعَلْناهُمْ خَلائِفَ عمروا الأرض بعد الهالكين وخلفوهم فيها، ولم يُعقب منهم إلا أولاد نوح عليه السلام، وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا بالطوفان، فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ، تعظيم لما جرى عليهم، وتحذير لمن كذب الرسول، وتسلية له. والله تعالى أعلم.

الإشارة: لا يكون الرجل كامل اليقين حتى يسقط من قلبه خوف المخلوقين، فلا يبالي بهم ولو أجمعوا على كيده، إذ ليس بيدهم شيء، وإنما أمْرهم بيد الله، ويقول لهم كما قال نوح عليه السلام: (فأجمعوا أمركم وشركاءكم.)

وكما قال هود عليه السلام: فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ «١» . وفي الحديث: «لو اجتَمَعَ الخَلْقُ كَلُهمْ عَلَى أَن يَضُرُّوكَ بِشَيءٍ لم يَضُرُّوكَ إلاَّ بِشَيءٍ قَدَّرَهُ الله عَلَيكَ، جَفْتِ الأقلامُ وطُويت الصّحف» . وقال أيضا صلّى الله عليه وسلّم: «لا يَكمُلُ إيمَانُ العَبدِ حتَّى يَكُون الناسُ عندَه كالأباعد» ، يعني: لا يهابهم ولا يراقبهم. وبالله التوفيق.

ثم ذكر ما بين نوح وموسى- عليهما السلام- من الأنبياء، على سبيل الإجمال، فقال:

[[سورة يونس (١٠) : آية ٧٤]]

ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ (٧٤)


(١) الآيتان ٥٥- ٥٦ من سورة هود.

<<  <  ج: ص:  >  >>