للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي الآية دليل على جواز الدعاء على الظالم بالمعصية، أو الكفر، وقد فعله سعد بن أبي وقاص على الذي شهد فيه بالباطل، ووجْهُ جوازه مع استلزامه وقوع المعاصي: أنه لم يُعتبر من حيث تاديته إلى المعاصي، ولكن من حيث تأديته إلى نِكاية الظالم وعقوبته، وهذا كما قيل في تمني الشهادة أنه مشروع، وإن كان يؤدي إلى قتل الكافر للمسلم، وهو معصية ووهن في الدين، ولكن الغرض من تمنى الشهادة ثوابُها، لا نفسها.

قالَ تعالى: قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما يعني موسى وهارون، وكان يُؤمِّن على دعاء أخيه، فَاسْتَقِيما أي: اثبتا على ما أنتما عليه من الاستقامة والدعوة وإلزام الحجة، ولا تستعجلا، فإن ما طلبتما كائن ولكن في وقته، روي أنه مكث فيهم بعد الدعاء أربعين سنة، وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ: طريق الجهلة في استعجال الأشياء قبل وقتها، أو في عدم الوثوق والاطمئنان بوعدنا، وقرأ ابن ذكوان: «ولا تتبعان» بالنون الخفيفة وكسرها لالتقاء الساكنين، وهو قليل، قال ابن مالك:

وَلم تَقَعْ خَفِيفَةٌ بَعدَ الأَلفْ «١» .

ويحتمل أن تكون نون الرفع، و «لا» نافية، أي: والأمر لا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون.

الإشارة: دعاء الأولياء على الظالم مشروع بعد الإذن الإلهامي على ما يفهمونه، وقد مكث الشيخ أبو الحسن سنين لم يدع على ابن البراء «٢» حتى كان سنة في عرفة، فقال: الآن أًذن لي في الدعاء على ابن البراء.... الخ.

فإن لم يكن إذن فالصبر أوْلى، بل الأولى الدعاء له بالهداية، حتى يأخذ الله بيده وهذا مقام الصديقين، فإذا وقع الدعاء مطلقاً وتأخرت الإجابة فلا يستعجل، فيكون تبع سبيل الذين لا يعلمون، وفي الحكم: «لا يكن تأخرُ أمدِ العطاءِ مع الإلحاحِ في الدعاء موجباً ليأسك، فقد ضمن لك الإجابة فيما يختار لك لا فيما تختار أنت لنفسك، وفي الوقت الذي يريد، لا في الوقت الذي تريد» ، وقال أيضاً: «لا يشككنك في الوعد عدم وقوع الموعود وإن تعين زمنه لئلا يكون ذلك قَدْحاً في بصيرتك، وإخماداً لنور سريرتك» . وبالله التوفيق.

ثم أجاب دعاءهما، فقال:

[سورة يونس (١٠) : الآيات ٩٠ الى ٩٢]

وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لاَ إِلهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٩٠) آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (٩١) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ (٩٢)


(١) عجز البيت: لكن شديدة وكسرها ألف.
(٢) هو أبو القاسم ابن البراء، قاضى تونس عند دخول الشيخ الشاذلى إليها. وقد رأى ابن البراء إقبال الناس على الشاذلى، فسعى فى الكيد له واتهامه عند السلطان بالعمل على قلب نظام الحكم. ولكن الله نجاه من كل هذه المكائد.

<<  <  ج: ص:  >  >>