للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإشارة: تكذيب الصادقين سُنَّة ماضية، وأتباع الخصوص موسومون بالذلة والقلة، وهم أتباع الرسل والأولياء، وهم أيضاً جُل أهل الجنة لأن المصطفى صلّى الله عليه وسلّم قال: «أَهلُ الجَنَّة كُلُّ ضَعِيفٍ مُستَضعَفٍ» «١» وقالت الجنة: مالى لا يَدخُلُني إلا سُقَّطُ الناس؟ فقال لها الحق تعالى: «أنتِ رَحمَتي أَرحَمُ بِك مَنْ أَشاء» حسبما فى الصحيح.

ثم أجابهم بقوله:

[[سورة هود (١١) : آية ٢٨]]

قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ (٢٨)

قلت: «أنلزمكموها» : يصح في الضمير الثاني الوصل والفصل لتقدم الأخص.

يقول الحق جلّ جلاله: قالَ نوح لقومه: يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ: أخبروني، إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي على طريقة واضحة من عند ربي، أو حجة واضحة شاهدة بصحة دعواي، وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ النبوة، فَعُمِّيَتْ خفيت عَلَيْكُمْ فلم تهتدوا إليها، أَنُلْزِمُكُمُوها أنكرهكم على الاهتداء بها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ لا تختارونها ولا تتأملون فيها. ولم يؤمر بالجهاد، بل تركهم حتى نزل بهم العذاب.

الإشارة: طريقة أهل التذكير- الذين هم على بينة من ربهم-: أنهم يُذكرون الناس، ولا يكرهون أحداً على الدخول في طريقهم، إذا عميت عليهم. والله تعالى أعلم.

ثم قال:

[سورة هود (١١) : الآيات ٢٩ الى ٣٠]

وَيا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مالاً إِنْ أَجرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ (٢٩) وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٣٠)

يقول الحق جلّ جلاله، حاكياً عن نوح عليه السلام: وَيا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ على التبليغ المفهوم من السياق، مالاً: جُعلاً أنتفع به، إِنْ أَجرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ فإنه المأمول منه. ثم طلبوا منه طرد الضعفاء ليجالسوه، فقال لهم: وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ فيخاصموني إن طردتهم، أو: إنهم ملاقوه


(١) أخرجه ابن ماجه فى (الزهد، باب من لا يؤبه له) من حديث معاذ بن جبل.

<<  <  ج: ص:  >  >>