للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الواردات الإلهية والعلوم الإلهامية على قلوبكم وأسراركم، مدراراً، ويزدكم قوة في شهود الذات إلى قوتكم في شهود الصفات، ولا تتولوا عن شهوده بشهود أثره، مجرمين معدودين في زمرة المجرمين المصرين على الكبائر، وهم لا يشعرون.

وقال الورتجبي: استغفروا من النظر إلى غيري، وتوبوا إليَّ من نفوسكم، ورؤية طاعتكم وأعواضها، يرسل سماء القدم على قلوبكم مدرار أنوار تجليها، ويزدكم، أي: يزد قوة أرواحكم في طيرانها. انظر تمامه.

ثم ذكر ما أجابه به قومه، فقال:

[سورة هود (١١) : الآيات ٥٣ الى ٥٧]

قالُوا يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (٥٣) إِنْ نَقُولُ إِلاَّ اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (٥٤) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ (٥٥) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٦) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (٥٧)

قلت: (إِن نَّقٌولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ) : الاستثناء مفرغ، و «اعتراك» : مقول لقول محذوف، أي: ما نقول إلا قولنا اعتراك، و (ما من دابة) : «ما» نافية، و «من» صلة و «دابة» ، مبتدأ مجرور بمن الزائدة، وجملة (إلا هو آخذ) : خبر.

يقول الحق جلّ جلاله: قالُوا يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ بمعجزة واضحة تدل على صدق دعواك، وهذا كذب منهم وجحود لفرط عنادهم وعدم اعتدادهم بما جاءهم من المعجزات. وفي الحديث: «مَا مِنْ نَبي إلاَّ أُوتي من المعجزات مَا مِثلُه آمَنِ عَليه البشرُ، وإَنَّما كَان الذِي أُوتيتُه وحيا أوحى إلى، فأرجو أن أكُون أكَثَرهُم تَابِعاً يوم القِيَامةِ» «١» . كما في الصحيح. ويحتمل أن يريدوا: ما جئتنا بآية تضطر إلى الأيمان بك، وإن كان قد أتاهم بآية نظرية. ولم يذكر في القرآن معجزة معينة لهود عليه السلام، مع الاعتقاد أنه لم يخل من معجزة لما في الحديث.

ثم قالوا: وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا بتاركي عبادتهم عَنْ قَوْلِكَ أي: بسبب قولك، أو صادرين عن قولك، وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ أبداً، وهو إقناط له عن الإجابة والتصديق. إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ أصابك بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ بجنون لما سببْتها، ونهيت عن عبادتها، ولذلك صرت تهذو وتتكلم بالخرافات.


(١) أخرجه البخاري فى (الاعتصام، باب قول النبي صلى الله عليه وسلّم بعثت بجوامع الكلم) ومسلم فى (الإيمان، باب: وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلّم) من حديث أبى هريرة رضى الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>