للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: (بضاعة) : حال من المفعول، أي: وأخفوه مبضعاً به للتجارة. و (لنعلمه) : عطف على محذوف، أي:

مكناه في الأرض ليتصرف فيها بالعدل ولنعلمه.. إلخ. و (دراهم) : بدل من (ثمن) . قال الهروي: الأَشُدَّ: من خمسة عشر إلى أربعين سنة. وهو جمع شدة، مثل: نعمة وأنعم، وهي: القوة والجلادة في البدن والعقل. هـ.

يقول الحق جلّ جلاله: وَجاءَتْ سَيَّارَةٌ رفقة تسير من مدين إلى مصر، فنزلوا قريباً من الجب، وكان ذلك بعد ثلاث من إلقائه فيه. فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ الذي يرد الماء، ويستقي لهم، وهو: مالك بن ذعر الخزاعي، فَأَدْلى دَلْوَهُ أرسلها في الجب ليملأها، فتعلق بها يوسف، فلما رآه قالَ يا بُشْرى هذا غُلامٌ نادى البشرى، بشارة لنفسه، أو لقومه، كأنه قال: تعالِ هذا أوانك. وقيل: اسم لصاحبه، ناداه ليعينه على إخراجه فأخرجوه، وَأَسَرُّوهُ أي: أخفاه الوارد، وأصحابه عن الرفقة، وقالوا: دفعه إلينا أهل الماء لنبيعه بمصر، حال كونه بِضاعَةً أي: متاعاً مبضعاً به للتجارة، أي: يباع ويتجر بثمنه. وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِما يَعْمَلُونَ لم يخف عليه اسرارهم.

وَشَرَوْهُ أي: باعه السيارة من الرفقة، أو إخوته، فيكون الضمير راجع لهم. رُوي أن يهوذا كان يأتيه كل يوم بالطعام، فأتاه يومئذٍ فلم يجده فيها، وأخبر إخوته فأتوا الرفقة وقالوا: هذا غلامنا فاشتروه، وسكت يوسف خوفاً من أن يقتلوه. أو اشتروه من إخوته لأن شرى قد يستعمل بمعنى اشترى. فاشتراه الرفقة منهم بِثَمَنٍ بَخْسٍ أي: مبخوس، لزيفه أو نقصانه، دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ قليلة، فإنهم يَزنُون ما بلغ الأوقية، ويعدُّون ما دونها. قيل:

كان عشرين درهماً. وقيل: اثنين وعشرين. رُوي أن الذي اشتراه منهم مالك بن ذعر المتقدم، وكان صعلوكاً، فسأل يوسف أن يدعو له فدعا له فصار غنياً. رُوِيَ أنه قال لهم: بكم تبيعونه؟ فقالوا له: إن اشتريته بعيوبه بعناه لك. فقال: وما عيوبه؟ فقالوا: سارق كذاب، يرى الرؤيا الكاذبة. فقال لهم: بكم تبيعونه لي مع عيوبه؟ ويوسف عليه السلام ينظر إليهم ولا يتكلم، وهو يقول في نفسه: ما أظنه يقوم بثمني لأنهم يطلبون أموالاً كثيرة. قال لهم مالك:

معي دراهم قليلة تعد ولا توزن، فقالوا له: هاتها. فاشتراه منهم بتلك الدراهم المعدودة. قال ابن عباس: كانت سبعة عشر درهماً، جعل له ذلك جزاء لما قوم نفسه، وظن أنهم يطلبون فيه الأموال. هـ. وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ: الراغبين عنه. يحتمل أن يكون الضمير لإخوته، وزهدهم فيه ظاهر. أو يكون للرفقة، فإن كانوا

<<  <  ج: ص:  >  >>