للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكيف تطمعون أيضاً في إيمانهم وهم منافقون؟ إِذا لَقُوا المؤمنين قالُوا آمَنَّا، وصفة نبيكم مذكورة في كتابنا، وَإِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ لامهم مَن لم ينافق، وقالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ من علم التوراة فتطلعونهم عليه لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ أي: يغلبوكم بالحجة عِنْدَ رَبِّكُمْ في الدنيا والآخرة، فيقولون: كنتم عالمين بنبوة نبينا فجحدتم وعاندتم، أَفَلا تَعْقِلُونَ حتى تطلعوهم على ما فتح الله به عليكم. أو يقول الحق تعالى: أَفَلا تَعْقِلُونَ يا معشر المسلمين فتطمعون في إيمانهم بعد هذه الخصال التي فيهم، قال الحقّ جلّ جلاله:

أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ لا يخفى عليه شيء، بل يَعْلَمُ ما يُسرونه وما يُعلنونه، فيجازيهم على ما أخفوا وما أعلنوا.

الإشارة: مَن سبقت له المشيئة بالخذلان، وحكم عليه القدر والقضاء بالحرمان، يرجع إلى الدليل والبرهان، بعد الاستشراف على الشهود والعيان، فيرجع إلى مشاهدة الآثار والرسوم، وينسى ما كان يعهده من دقائق العلوم، سبب ذلك كلَّه: الإخلال بالأدب مع المشايخ والأصحاب، أو مفارقة الإخوان، وعدم مواصلة أهل العرفان، وضم إلى ذلك الإنكار على أولياء الله، وتحريف ما سمعه منهم من مواهب الله، فلا مطمع في رجوعه وإيابه، وقد بَعُد من الفتح وأسبابه، لا سيما إذا اتصف بالنفاق، إذا لقي أهل النسبة أظهر الوفاق، وإذا خلا إلى العامة أظهر الشقاق، فمِثلُ هذا لا يرجى له فلاح، ولا يَسعد بصلاح ونجاح. نعوذ بالله من ذلك.

ولما ذكر الحق تعالى رؤساء اليهود أتبعهم بذكر أتباعهم، فقال:

[[سورة البقرة (٢) : آية ٧٨]]

وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلاَّ أَمانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ (٧٨)

قلت: أماني: جمع أمنية، وهي في الأصل: ما يُقَدِّرُهُ الإنسان في نفسه من مُنى إذا قدَّر، ولذلك تطلق على الكذب، وعلى ما يتمنى وما يقرأ «١» ، قاله البيضاوي. والاستثناء منقطع، أي: لكن أكاذيب، ويقال: تمنى الرجل، إذا كذب واختلق الحديث، ومنه قول عثمان رضى الله عنه: (والله ما تَمنَّيْتُ ولا تَغَنَّيْتُ منذُ أَسْلَمْتُ) .

يقول الحق جلّ جلاله: وَمِنْهُمْ أي: من اليهود عوام أُمِّيُّونَ لا يقرءون الكتاب ولا يفهمونه، لكن يسمعون من أحبارهم أَمانِيَّ كاذبة، وأشياء يظنونها من الكتاب، ولا علم لهم بصحتها، كتغيير صفته صلّى الله عليه وسلّم


(١) لأن القارئ يتصور ويقدر أن كلمة كذا بعد كذا.

<<  <  ج: ص:  >  >>