للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وترد، من أزجيته، دفعته. ومنه: يُزْجِي سَحاباً «١» قيل: كانت دراهم زيوفاً وقيل: الصنوبر وحبة الخضراء.

وقيل: سَويق المُقْل أي: الدوم. وقيل: عروضاً. فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ: أتممه لنا، وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا بالمسامحة، وقبول المزجاة، أو بالزيادة على ثمننا. وهذا يقتضي أن الصدقة كانت حلالاً على الأنبياء قبل نبينا صلّى الله عليه وسلّم، وهو خلاف المشهور. أو برد أخينا، إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ أحسن الجزاء. والتصدق: التفضل مطلقاً، ومنه قوله صلّى الله عليه وسلّم في القصر: «هذهِ صَدَقةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ عَلَيكُمْ بها، فاقبلوا صدقته» «٢» .

رُوي أن يعقوب عليه السلام لما أرسلهم المرة الثالثة ليتحسسوا أخبار يوسف وأخيه، أرسل معهم كتاباً ونصه: بسم الله الرحمن الرحيم، من يعقوب الحزين إلى عزيز مصر، ولو عرفت اسمك لذكرتك في كتابي هذا، يا من أعتز بعز الله، فالله يُعِزُ من يشاء ويُذل من يشاء، وإني أيها العزيز قد اشمأز قلبي، وقطع الحزن أوصالي، وإني ناهٍ إلى الإقراح، دائم البكاء والصياح، وإني من نطفة آباء كرام، فكيف يتولد اللصوص مني وأنا من الخصوص! وقد أخبرت أنك وضعت الصَّاع بالليل في رحل ولدي الأصغر، وإني حزين عليه كما كنتُ حزيناً على أخيه الفقيد، حزناً دائماً سرمداً شديداً. وإن كنت أفجعتنى فى الآخر، فإن قلبي لا محالة طائر. ثم ختمه بالسلام.

فلما دفعوه ليوسف قرأه، وبكى بكاء شديداً، ثم دفعه لأخيه بنيامين فقرأه وبكى أيضاً. ثم نزل عن سريره، ثم دفع لهم الكتاب الذي كانوا كتبوه لمالك بن ذعْر لما باعوه بخطوط شهادتهم، كان أخذه من مالك حين باعه. فلما قرأوه تغيرت ألوانهم وتضعضعت أركانهم، وبُهتوا، فقال لهم: هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ من إيذاء يوسف، وتفريقه من أبيه، ومضرة أخيه من بعده، فإنهم كانوا يذلونه ويشتمونه، أي: هل علمتم قبحة فتبتم منه؟

قاله نصحاً وتحريضاً لهم على التوبة. إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ أي: فعلتم ذلك حين كنتم جاهلين قُبح ذلك. وإنما سماهم جاهلين لأن فعلهم حينئذٍ فعل الجهال، أو لأنهم حينئذٍ كانوا صبياناً طياشين، فعرفوه حينئذٍ على ظن، فقالوا: أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ؟ بالاستفهام التقريري. وقرأ ابن كثير على الإيجاب. قيل: عرفوه بذوائبه وشمائله حين نزل إليهم وكلمهم. وقيل: تبسم فعرفوه بثناياه. وقيل: رفع التاج عن رأسه فعرفوه بِشَامةٍ كانت في رأسه بيضاء، وكانت لسارة ويعقوب مثلها.

قالَ لهم: أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي من أبي وأمي. ذكره تعريفاً لنفسه به، وتفخيماً لشأنه، وإدخالاً له في المنة بقوله: قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا بالسلامة والكرامة والعز، إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ الله وَيَصْبِرْ على بلواه، وعلى طاعته وتقواه فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ، وضع المحسنين موضع المضمر تنبيهاً على أن المحسن جمع بين الصبر والتقوى. فمن اتقى الله وصبر فهو محسن..


(١) من الآية ٤٣ من سورة النور.
(٢) أخرجه مسلم فى (صلاة المسافرين، باب صلاة المسافرين وقصرها) من حديث سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>