للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المثقل بالمطر الحاملة له، وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ أي: متلبسا بحمده، يقول: سبحان الله وبحمده. أو: يدل الرعد بنفسه على وحدانيته تعالى وكمال قدرته، ملتبساً بالدلالة على كمال فضله، ونزول رحمته. وعن ابن عباس رضى الله عنه: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرعد فقال: «مَلَكٌ مَوَكَّلُ بالسَّحابِ، له مَخَارِيقُ مِنْ نَارٍ يَسُوقُ السَّحَاب» «١» .

وَتسبح أيضاً الْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ أي: من خوفه وإجلاله، وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ نار تنزل من السماء وقت ضرب الرعد، فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ فيهلكه، وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللَّهِ أي: الكفار، حيث يكذبون رسوله فيما يصفه به من كمال العلم والقدرة، والتفرد بالألوهية، وبعث الناس وحشرهم للمجازاة، وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ أي: شديد المكر بأعدائه، الذين أرادوا أن يمكروا بنبيه- عليه الصلاة والسّلام-.

رُوي أن عامر بن الطّفيل وأريد بن ربيعة وفدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قاصدين لقتله، فأخذ عامر بالمجادلة مع سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشغله، ودار أرْبَدُ من خلفه ليضربه بالسيف، فتنبه له الرسول- عليه الصلاة والسّلام- وقال:

«اللَّهُمَّ اكفنيهما بِمَا شِئتَ» ، فأرسل الله على أرْبد صاعقة فقتلته، ورُمي عامرٌ بغدة، فمات في بيت امرأة سلُوليَّة، فكان يقول: غُدة كغُدَّة البعير، وموت في بيت امرأة س لوليّة! فنزلت الآية من أولها «٢» ، وهو قوله: لَهُ مُعَقِّباتٌ ...

إلخ، على قول.

الإشارة: من جريان حكمته تعالى في خلقه أنه لا يسلب النعم عنهم إلا بسوء أدبٍ منهم، كلٌ على قدر مقامه، فالنعم الظاهرة يسلبها بترك الطاعة الظاهرة، أو بالمخالفة الظاهرة، والنعم الباطنة يسلبها بترك المراقبة الباطنة أو المشاهدة الباطنة. فلكل مقام حقوق وآداب فمن أَخَلَّ بحقوق مقام نقص له منه، إلا أن يتوب. وقد يسيء الأدب فتؤخر العقوبة عنه، فيظن أنه لم يُسْلب. ولو لم يكن إلا ترك المزيد. وقد يبعد، وهو لا يشعر، ولو لم يكن إلا وتركه وما يريد. كما في الحِكَم.: «إن الله لا يغير ما في القلوب من أنوار الشهود والعيان، حتى يغيروا ما بأنفسهم من حسن الأدب بسوء الأدب» . وهذا ما لم يتحقق له مقام المحبوبية والتمكن مع الله في المعرفة. وإلا فالرعاية والعناية محفوفة بقلبه، فقد يبلغ الولي إلى مقام يُقال له: افعل ما شئت فقد غفرتُ لك، كما وقع لأهل بدر، وراجع ما تقدم عند قوله: أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ «٣» وقد يُغير الله قلب عبده اختباراً له، فيسلبه حلاوة المعاملة أو المعرفة، فإن هو اضطرب وتضرع ردَّ له حاله، وإن لم يضطرب ولم يفزع إلى الله لم يرد له شيئاً. وإليه الإشارة بقوله: وَإِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ ... الآية.


(١) أخرجه فى سياق طويل، أحمد فى المسند (٢/ ٢٧٤) والترمذي في (تفسير سورة الرعد) ، وقال: حسن غريب.
(٢) أخرجه ابن جرير فى التفسير (١٣/ ١٢٦) عن ابن عباس رضى الله عنه فى سياق أطول من هذا. وهو ضعيف لوجود السدى والكلبي فى السند.
(٣) الآية ٨٢ من سورة الأنعام. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>