للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإشارة: ما خوَّفت الكفارُ به رسلَهم خوفت به العوام فقراءَهم وأولياءهم، قال التجيبي، في الإنالة، لما تكلم على خفاء الأولياء، قال: ومعلوم أن العصمة لم تثبت إلا للنبيين والرسل- عليهم الصلاة والسلام- وأنَّ غيرهم يصيب ويخطئ، ويذنب ويتوب، لكن لما سُطرت مناقب الرجال، وكراماتهم، ولم تذكر سيئاتهم، وطال العهد بهم، ظن أكثر الخلق أن ليس لهم سيئات، وقد كان لهم في أزمانهم المُحب والمبغض، والمسلّم والمنتقد. ثم قال: فمن يرضى يقول أحسن ما يعلم، ومن يسخط يقول أقبح ما يعلم، وقد رأى أولئك في أزمانهم من الأذى والتنقص، وإساءة الظن بهم ما كان يقصر عنه صبر غيرهم، وقد أُخْرِجَ أبو يزيد البسطامي من بسطام مراراً، ورُفِع الشبلي والخواص والنوري للسلطان، وتستر الجنيد بالفقه حين ضُيِّقَ على الفقراء، وقُبض على الحلاج، وضُرب، ومُثَّل به، على أنه ساحر زنديق. هـ. المراد منه.

قلت: وقد وقع بنا في مدينة تِطوان أيام التجريد أمثال هذا، فقد خُوفنا بالضرب مراراً، وسُجِنا وأُخرجنا من زاويتنا، وقال لنا محتسبُهُم: والله لنخرجنكم من مدينتنا، ونركبكم في سفينة إلى بر النصارى، فقلت له: حبّاً وكرامة، ولعلّنا نُذكرهم الله حتى يسلموا، ولما وصل الخبر بهذه المقالة إلى شيخنا، كتب لنا بهذه الآية: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ.... الخ. وكل آية في الكفار تَجُر ذيلها على مَن تشبه بهم، وإن كان مُسلماً. وبالله التوفيق.

ثم ضرب مثلا لعمل الكفار، فقال:

[[سورة إبراهيم (١٤) : آية ١٨]]

مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ (١٨)

قلت: (مَثَلُ) : مبتدأ، والخبر محذوف عند سيبويه، أي: فيما يتلى عليكم مثلهم. وقال الفراء: الخبر ما بعده، وهو جملة: (أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ) ، أو (أَعْمالُهُمْ) : بدل، والخبر: (كَرَمادٍ) ، وعلى قول سيبويه تكون جملة: (أَعْمالُهُمْ) :

مستأنفة لبيان مثلهم.

يقول الحق جلّ جلاله: مَثَلُ أعمال الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ في عدم الانتفاع بها وذهابها:

كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ في الهوى بسرعة فِي يَوْمٍ عاصِفٍ: شديد ريحه. والعصْف: اشتداد الريح.

وصف به زمانه للمبالغة، كقولهم: نهاره صائم، وليله قائم. شبه صنائعهم من الصدقة، وصلة الرحم، وإغاثة الملهوف، وعتق الرقاب، ونحو ذلك من مكارمهم في حبوطها- لبنائها على غير أساس من الإيمان بالله، والتوجه بها إليه- بغبار طارت به الريح العاصفة فِي يَوْمٍ عاصِفٍ، لا يَقْدِرُونَ يوم القيامة مِمَّا كَسَبُوا من أعمالهم عَلى شَيْءٍ من الانتفاع بها لحبوطها، وتلاشيها، فلا يقدرون منها على شيء، ولا يجدون ثوابها،

<<  <  ج: ص:  >  >>