للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كالقطن، والكتان، وشبه ذلك وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ: بمشيئته وقدرته، إلى حيث توجههم مع أسباب حكمته، تغطية لقدرته، وهو ما يتوقف عليه جريها وإرساؤها، من الجبال والقلاع، وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ مطردة لانتفاعكم بالسفن والشرب، وسائر منافعها، فجعلها مُعدَّة لانتفاعكم وتصرفكم. وقيل:

تسخير هذه الأشياء: تعليم كيفية اتخاذها والانتفاع بها.

وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ متماديين في الطلوع والغروب، يدأبان في سيرهما وإنارتهما، وإصلاح ما يصلحانه من المكونات، بقدرة خالقهما، وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ يتعاقبان لسكناتكم ومعايشكم. وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ أي: وآتاكم بعض جميع ما سألتموه، وهو ما يليق بكم، وما سبق لكم في مشيئته وعلمه. قال البيضاوي: ولعل المراد بما سالتموه: ما كان حقيقا بأن يسأل لاحتياج الناس إليه، سُئل أو لم يسأل. هـ. وقرأ الضحاك وابن عباس: «مِنْ كُلِّ» بالتنوين، أي: وآتاكم من كل شيء احتجتم إليه، وسألتموه بلسان الحال. ويجوز على هذا أن تكون «ما» نافية، في موضع الحال، أي: وآتاكم من كل شيء غير سائليه.

وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوها: لا تحصروها، ولا تطيقوا عدَّ أنواعها، فضلاً عن أفرادها، فإنها غير متناهية فمنها ظاهرة، ومنها باطنة، كالهداية والمعرفة. قال طلق بن حبيب: إن حق الله أثقل من أن يقوم به العباد، ونعمة أكثر من أن يحصيها العباد، ولكن أصبحوا توابين، وأمسوا توابين. هـ. وقال أبو الدرداء: من لم ير نعمة الله إلا في مطعمه ومشربه، فقد قلَّ علمه، وحضر عذابه. هـ. إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ بظلم النعمة لمَّا غفل عن شكرها، أو بظلم نفسه لمَّا عرضها للحرمان، بارتكاب المعاصي، كَفَّارٌ: شديد الكفران، وقيل: ظلوم في الشدة يشكو ويجزع، كفّار في النعمة يجمع ويمنع. قاله البيضاوي.

الإشارة: الله الذي أنزل من سماء الملكوت علوماً وأسراراً، تحيا به القلوب والأرواح، فأخرج به من أرض النفوس ثمرة اليقين والطمأنينة، رزقاً لأرواحكم. وسخر لكم فلك الفكرة تجري في بحر التوحيد، وفضاء التفريد بأمره. وسخر لكم أنهار العلوم، منها ما هو علم الرسوم لأصلاح الظواهر، ومنها ما هو علم الحقائق لإصلاح الضمائر. وسخر لكم شمس العرفان وقمر الإيمان، دائبين، يستضيىء بقمر التوحيد في السير إلى معرفة أنوار الصفات، وبشمس العرفان إلى أسرار الذات. وسخَّر لكم ليل القبض لتسْكنوا فيه، ونهار البسط لتنشروا فى اقتباس العلوم، وربما أفادك في ليل القبض ما لم تستفده في نهار البسط (لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً) . وآتاكم من كل ما سألتموه حين كمل تهذيبكم، وصح وصلكم، فيكون أمركم بأمر الله. وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إذ نعمة الإيجاد ونعمة الإمداد لا حدَّ لهما في هذه الدار وفي تلك الدار، ففي كل نَفَس يمدهم بمَددٍ جديد، ومع هذا كله يغفل العبد عن هذه النعم!! إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ. وشكرها: نسبتها لمعطيها، وحمد الله عليها. وفي الحكم:

«لا تدهشك واردات النعم عن القيام بحقوق شكرك فإنَّ ذلك مما يحط من وجود قدرك» .

<<  <  ج: ص:  >  >>