للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقد ضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ من أحوالهم، أي: بيَّنا لكم أنكم مثلهم في الكفر واستحقاق العذاب، أو بيَّنا لكم صفات ما فعلوا، وما فُعل بهم، التي هي في الغرابة كالأمثال المضروبة.

الإشارة: كما أمهل سبحانه الظالمين إلى دار الشدائد والأهوال، أمهل عباده الصالحين إلى دار الكرامة والنوال لأن هذه الدار لاتسع ما أراد أن يعطيهم من الخيرات لأنها ضيقة الزمان والمكان، فقد أجلَّ مقدارهم أن يجازيهم في دار لا بقاء لها، وتلك الدار باقية لا نفاد لها، ففيها يتمحض الجمال والجلال. فبقدر ما ينزل على أهل الجلال من الأهوال ينزل على أهل الجمال من الكرامة والنوال. وتأمل ما تمناه أهل الجلال حين نزلت بهم الأهوال من قولهم: (ربنا أخرنا إلى أجل قريب نُجب دعوتك ونتبع الرسل) ، ثم بادر إلى إجابة الداعي، واتباع الرسول الهادي، في كل ما جاء به من الأوامر والنواهي، واعتبر بمساكن الذين ظلموا أنفسهم، كيف فعل بهم الزمان؟

وكيف غرتهم الأماني وخدعهم الشيطان، حتى أسكنهم دار الذل والهوان؟ فشد يدك على الطاعة والإحسان، والشكر لله على الهداية لنعمة الإسلام والإيمان، وعلق قلبك بمقام الإحسان فإن الله يرزق العبدَ على قدر نيته.

وبالله التوفيق.

ثم ذكر ما فعل بأهل المكر والخذلان، فقال:

[سورة إبراهيم (١٤) : الآيات ٤٦ الى ٥٢]

وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ (٤٦) فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقامٍ (٤٧) يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (٤٨) وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ (٤٩) سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (٥٠)

لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (٥١) هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ (٥٢)

قلت: (وإن كان مكرُهم) «إن» نافية، واللام للجحود، ومن قرأ «لّتزول» بفتح اللام، فإن مخففة، واللام فارقة و (يوم تُبدل) : بدل من (يوم يأتيهم) ، أو ظرف للانتقام، أو مقدر باذكر، أو (بمخلف وعده) . ولا يجوز ان ينتصب بمخلف لأن ما قبل «إن» لا يعمل فيما بعدها. و (السماوات) : عطف على (الأرض) ، أي: وتبدل السماوات.

يقول الحق جلّ جلاله: وَقَدْ مَكَرُوا بك يا محمد مَكْرَهُمْ الكلي، واستفرغوا جهدهم في إبطال الحق وتقرير الباطل، وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ اي: مكتوب عنده فعلهم، فيجازيهم عليه. أو عند الله ما يمكرهم به

<<  <  ج: ص:  >  >>