للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ: لا تطمح ببصرك طموح راغب إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ أي: أصنافا من الكفار، من زهرة الحياة الدنيا، فإنه مستحقر بالإضافة إلى ما أوتيته. وفي حديث أبي بكر: «من أوتي القرآن، فرأى أن أحداً أوتي من الدنيا أفضل مما أوتي، فقد صغر عظيماً وعظم صغيراً» . «١» قال ابن جزي: أي: لا تنظر إلى ما متعناهم به في الدنيا، ومعنى الآية: تزهيد في الدنيا، كأنه يقول: قد آتيناك السبع المثاني والقرآن العظيم فلا تنظر إلى الدنيا، فإن الذي أعطيناك أعظم منها. هـ.

وروي أنه صلى الله عليه وسلم وافى مع أصحابه أذْرِعَات، فرأى سبع قوافل ليهود بني قُرَيْظَة والنَّضير، فيها أنواع البُرِّ، والطيب والجواهر، وسائر الأمتعة، فقال المسلمون: لو كانت هذه الأموال لنا لتقربنا بها، ولأنفقناها في سبيل الله، فقال لهم عليه الصلاة والسلام: «قد أعطيتم سبع آيات هي خير من هذه السبع القوافل» . «٢» .

وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ: لا تتأسف على كفرهم حيث أنذرتهم فلم ينزجروا ولم يؤمنوا. أو: حيث متعناهم بالدنيا فلم ينتفعوا بها، ولم يصرفوها في مرضاة الله، وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ أي: تواضع وألن جانبك للمؤمنين، وارفق بهم. والجناح، هنا، استعارة. وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ: البين الإنذار، أنذرتكم ببيان وبرهان أن عذاب الله نازل بكم إن لم تؤمنوا، وفي الحديث: «أنا النذير، والموت مغير، والقيامة الموعد» . أو كما قال عليه الصلاة والسلام، وفي حديث آخر: «أنا النَّذير العُريَانُ» . وكانت العرب، إذا رأى أحْدهم جيشاً يقصدهم، تجرد من ثيابه، ثم أنذر قومه ليصدقوه، أي: وقل: إني أنذرتكم ان ينزل بكم عذابه.

كَما أَنْزَلْنا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ، أي: مثل العذاب الذي أنزل على المقتسمين، وهم أهل الكتاب، الذين آمنوا ببعض الكتب وكفروا ببعض، فاقتسموا قسمين. والعذاب الذي نزل بهم هو الذل والهوان وضرب الجزية، أو تسليط عدوهم عليهم. وقيل: هم كفار قريش اقتسموا أبواب مكة في الموسم، فوقف كل واحد منهم على باب، وكانوا اثني عشر رجلاً، لينفروا الناس عن الإيمان بالرسول عليه الصلاة والسلام، يقول أحدهم: هو ساحر، والآخر: هو شاعر، فأهلكهم الله يوم بدر. وقيل: هم الرهط الذين اقتسموا، أي: تقاسموا ليُبيتوا صالحاً، فأسقط الله عليهم الغار الذي كمنوا فيه، فشدخهم.

أو: آتيناك القرآن، وأنزلناه عليك كما أنزلنا التوراة على المقتسمين، وهم اليهود، الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ أي: أجزاء متفرقة، وقالوا فيه أقوالاً مختلفة، فقالوا عناداً وكفراً: بعضه موافق للتوراة والإنجيل، وبعضه


(١) قال الولي العراقي: لم أقف عليه، وقال الحافظ ابن حجر فى الكافي الشاف: لم أجده من حديث أبى بكر.
وأخرجه ابن عدى فى الكامل (٢/ ٧٨٧) ، ولفظه: (من تعلم القرآن وظن أن أحدا ... ) فذكره من حديث ابن مسعود مرفوعا..
وراجع الفتح السماوي (٢/ ٧٥٠) .
(٢) قال المناوى فى الفتح السماوي: لم أقف عليه. وذكره الواحدي فى الأسباب (٢٨٣) عن الحسين بن الفضل مرسلا.

<<  <  ج: ص:  >  >>