للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طلوع الشمس إلى الزوال يكون إلى جهة، ومن الزوال إلى الغروب يكون إلى جهة أخرى. ثم يمتد الظل ويعم بالليل إلى طلوع الشمس. والتفيؤ: من الفيء، وهو: الظل الذي يرجع بعكس ما كان غدوة. وقال رُؤبة بن العجاج: يقال بعد الزوال: ظل وفيءٌ، ولا يقال قبله إلا ظل. ففى لفظ «يَتَفَيَّؤُا» ، هنا، تجوز.

وقال في سلوة الأحزان: فاء الظل: معناه: رجع بعكس ما كان من بكرة إلى الزوال وذلك أن الشمس من وقت طلوعها إلى الزوال، إنما هي في نسخ الظل العام قبل طلوعها، فإذا زالت، ابتدأ رجوع الظل العام، ولا يزال ينمو حتى تغيب الشمس فيعم. والظل الممدود في الجنة لم يذكر الله تعالى فيها فيئًا لأنه لا مُذهِبَ له، ولا تكون الفيئة إلا بعد ذهاب الظل، ولا ذهاب لظل الجنة، فلا يتعقل له فيأة. هـ. واستعمال اليمين والشمال، في غير الإنسان، تجوز فإنهما في الحقيقة خاص بالإنسان. هـ.

حال كون تلك الأجرام، أو الظلال سُجَّداً لِلَّهِ، قيل: حقيقة. قال الضحاك: إذا زالت الشمس سَجد كل شيء قبلَ القبلة، من نباتٍ أو شجر، ولذلك كان الصالحون يستحبون الصلاة في ذلك الوقت. وقال مجاهد: إنما تسجد الظلال، لا الأشخاص. وقيل: هو عبارة عن الخضوع والطاعة، وميلان الظلال ودورانها بالسجود، كما يقال للمشير برأسه نحو الأرض، على جهة الخضوع: ساجدًا، ثم استشهد لذلك. هـ. قال شيخ شيوخنا سيدي عبد الرحمن الفاسي: والمتَّجَهُ: أنه خضوع وطاعة للمشيئة وانقياد، لا حقيقة لأنه لا يقال فيه، كذلك: أو لم يروا، وإنما يُرَى الانقياد. وخص الظل لأنه مشهود ذلك فيه، ولو حاول صاحبه عدمه أو ضده، لم يستطع، بخلاف الأفعال الاختيارية، فإن الجبر فيها غير محسوس، فظهر سر الإشارة للظلال. والله أعلم. هـ.

قال البيضاوي: المراد من السجود: الاستسلام، سواء كان بالطبع أو الاختيار، يقال: سجدت النخلة، إذا مالت لكثرة الحمل، وسجد البعير، إذا طأطأ رأسه ليركب. أو سُجَّداً

: حال من الظلال وَهُمْ داخِرُونَ: حال من الضمير، والمعنى: ترجع الظلال، بارتفاع الشمس وانحدارها، بتقدير الله تعالى، من جانب إلى جانب، منقادة إلى ما قُدِّر لها من التفيؤ، أو واقعة على الأرض، ملتصقة بها، على هيئة الساجد، والأجرام في أنفسها أيضًا داخرة، أي: صاغرة منقادة لأفعال الله. هـ.

وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ أي: ينقاد لإرادته، وتأثير قدرته طبعًا، ولتكليفه وأمره طوعًا ليصح إسناده إلى عامة أهل السموات والأرض. وقوله: مِنْ دابَّةٍ: بيان لهما لأن الدبيب هو الحركة الجسمانية، سواء كان في أرض أو سماء، وَالْمَلائِكَةُ عطف على المبين به، عطف خاص على عام،

<<  <  ج: ص:  >  >>