للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يا بني قد عَرَفْتُ أنك رأيتني حين فسقتُ بتلك المرأة، وكنت أنتظر فراقك عني من أجل ذلك، فقال له التلميذ:

يا سيدي الإنسان معرض لمجاري أقدار الله عليه، وإني من الوقت الذي دخلت فيه إلى خدمتك ما خدمتك على أنك معصوم، وإنما خدمتك على أنك عارف بطريق الله تعالى، عارف بكيفية السلوك عليه الذي هو طلبي، وكونك تعصي أو لا تعصي شيء بينك وبين الله عز وجل، لا يرجع من ذلك شيء عَلَيَّ، فما وقع منك يا سيدي شيء لا يوجب نفاري وزوالي عنك، وهذا هو عَقْدي، فقال له الشيخ: وفقت وسعدت هكذا وإلا فلا ... فريح ذلك التلميذ، وجاء منه ما تَقَرُّ بِهِ العينُ من حسن الحال وعُلوِّ المقام «١» . هـ.

ولما وسمهم الحق تعالى بنقض العهود، ذكر جزئية من ذلك، فقال:

[[سورة البقرة (٢) : آية ١٠١]]

وَلَمَّا جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ كِتابَ اللَّهِ وَراءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ (١٠١)

يقول الحق جلّ جلاله: وَلَمَّا جاءَهُمْ يعني اليهود رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ محمد صلى الله عليه وسلّم مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ من التوراة بموافقته له في بعض الأخبار نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ، وهم من كفر من أحبار يهود، كِتابَ اللَّهِ: التوراة، وَراءَ ظُهُورِهِمْ، حيث لم يعملوا بما فيه من الأمر بالإيمان بالنبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وغيروا صفته التي فيه، وكتموها، فكأنهم طرحوه وراء ظهورهم، وكأنهم لا علم لهم بشئ من ذلك.

قال البيضاوي: اعلم أن الحق تعالى دل بالآيتين على أن حال اليهود أربع فرق: فرقة آمنوا بالتوراة وقاموا بحقوقها كمؤمني أهل الكتاب، وهم الأقلون المدلول عليهم بقوله: بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ، وفرقة جاهروا بنبذ عهودها، وتخطي حدودها، تمرداً وفسوقاً، وهم المعنيون بقوله تعالى: نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ، وفرقة لم يجاهروا بنبذها، ولكن نبذوا لجهلهم بها، وهم الأكثرون، وفرقة تمسكوا بها ظاهراً، ونبذوها خفية، عالمين بالحال بَغْياً وعناداً، وهم المتجاهلون. هـ. قلت: ولعلهم المنافقون منهم.

ولما نبذوا كتاب الله اشتغلوا بكتب السحر مكانه، كما أبان ذلك الحق تعالى بقوله:


(١) مغزى القصة: التنبيه على أن المريد ينبغى له ألا يعتقد العصمة فى الشيخ فإن الشيخ وإن كان على أكمل الحالات فليس بمعصوم. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>