للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمائدة «١» . قال البيضاوي: أمرهم بتناول ما أحل لهم، وعدد عليهم محرماته، ليعلم أن ما عداها حل لهم. ثم أكد ذلك بالنهي عن التحريم والتحليل بأهوائهم بقوله: وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لما لم يحله الله ولم يحرمه، كما قالوا: مَا فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا ... «٢» الآية. هـ.

تقولون ذلك لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ بنسبة ذلك إليه. إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ أبدًا لأنهم تعجلوا فلاح الدنيا بتحصيل أهوائهم، فحُرموا فلاح الآخرة، ولذلك قال: مَتاعٌ قَلِيلٌ أي: لهم تمتع في الدنيا قليل، يفنى ويزول. وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ في الآخرة.

وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا ما قَصَصْنا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ في سورة الأنعام بقوله: وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ.. «٣» الآية، وَما ظَلَمْناهُمْ بالتحريم، وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ حيث فعلوا ما عوقبوا به عليه. ذكر الحق تعالى ما حرم على المسلمين، وما حرم على اليهود ليعلم أن تحريم ما عدا ذلك افتراء على الله. والله تعالى أعلم.

الإشارة: يقول الحق- جلّ جلاله-، لمن بقي على العهد من شكر النعم بالإقرار بفضل الواسطة: فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ من قوت اليقين وفواكه العلوم، وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إن كنتم تخصونه بالعبادة وإفراد الوجهة. إنما حرَّم عليكم ما يشغلكم عنه، كجيفة الدنيا والتهارج عليها، ونجاسة الغفلة، وما يورث القساوة والبلادة، وقلة الغيرة على الحق، وما قبض من غير يد الله، أو ما قُصد به غيرُ وجه الله، إلا وقت الضرورة فإنها تبيح المحذور. والله تعالى أعلم.

ثم حضّ على التوبة لمن وقع فى شىء من هذا، فقال:

[[سورة النحل (١٦) : آية ١١٩]]

ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١١٩)

يقول الحق جلّ جلاله: ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ كالشرك، والافتراء على الله، وغير ذلك، بِجَهالَةٍ أي: ملتبسين في حال العمل بجهالة، كالجهل بالله وبعقابه، وعدم التدبر في عواقبه لغلبة الشهوة عليه، ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا عملهم، إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها أي: التوبة، أو الجهالة، لَغَفُورٌ لذلك السوء، رَحِيمٌ بهم يثيبهم على الإنابة.


(١) راجع تفسير الآية ١٧٣ من سورة البقرة، والآية ٣ من سورة المائدة.
(٢) من الآية ١٣٩ من سورة الأنعام.
(٣) من الآية ١٣٦ من سورة الأنعام.

<<  <  ج: ص:  >  >>