للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: (طِيناً) : منصوب على إسقاط الخافض، أو: حال من الراجع إلى الموصول، و (أَرَأَيْتَكَ) : الكاف للخطاب، لا موضع لها. وتقدم الكلام عليه في سورة الأنعام «١» . و (هذَا)

: مفعول «أرأيت» ، و (جزاء) : مصدر، والعامل فيه:

«جَزاؤُكُمْ» ، فإنَّ المصدر ينصب بمثله أو فعله أو وصفه، وقيل: حال موطئة لقوله: «مَوْفُوراً» .

يقول الحق جلّ جلاله: وَاذكر إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ امتنع، وقالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً أي: من طين فهو أصله من الطين، وأنا أصلي من النار، فكيف أسجد له وأنا خير منه؟! ثم قالَ إبليس: أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ أي: أخبرني عن هذا الذي كرمته عليّ بأمري بالسجود له، لِمَ كرمتَه عليّ؟ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ أي: والله لئن أخرتنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ لأستأصلن من احتنكت السَّنةُ أموالَهم أي: استأصلتها. أي: لأهلكن ذُرِّيَّتَهُ بالإغواء والإضلال، إِلَّا قَلِيلًا أو: لأميلنهم وأَقُودَنَّهُمْ، مأخوذ من تحنيك الدابة، وهو أن يشد على حنكها بحبل فتنقاد. أي:

لأقودنهم إلى عصيانك، إلا قليلاً، فلا أقدر أن أقاوم شكيمتهم لمَا سبق لهم من العناية.

قال ابن عطية: وحَكَمَ إبليس على ذرية آدم بهذا الحكم من حيث رأى الخِلْقَةَ مجوفةً مختلفةَ الأجزاءِ، وما اقترن بها من الشهوات والعوارض كالغضب ونحوه، ثم استثنى القليل لعلمه أنه لا بد أن يكون في ذريته من يصلب في طاعة الله. هـ. قلت: إنما يحتاج إلى هذا: من وقف مع ظاهر الحكمة في عالم الحس، وأما من نفذ إلى شهود القدرة في عالم المعاني: فلا.

قالَ تعالى: اذْهَبْ امض لما قصدته، وهو: طرد وتخلية لما بينه وبين ما سولت له نفسه. فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ التفت إلى الخطاب، وكان الأصل أن يقال: جزاؤهم، بضمير الغيبة ليرجع إلى فَمَنْ تَبِعَكَ، لكنه غلب المخاطب ليدخل إبليس معهم، فتُجازون على ما فعلتم جَزاءً مَوْفُوراً وافرًا مكملاً، لا نقص فيه. وَاسْتَفْزِزْ استخفف، أو اخدع مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ أن تستفز بِصَوْتِكَ بدعائك إلى الفساد، وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ أي: صِحْ عليهم، من الجلبة، وهي: الصياح، بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ أي: بأعوانك من راكب وراجل، قيل: هو مجاز، أي: افعل بهم جهدك. وقيل: إن له من الشياطين خيلاً ورجالاً. وقيل: المراد: بيان الراكبين في طلب المعاصي، والماشين إليها بأرجلهم. وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ بحملهم على كسبها وجمعها من الحرام، والتصرف فيها على ما لا ينبغي، كإنفاقها في المعاصي، وَالْأَوْلادِ بالحث على التوصل إلى الولد بالسبب الحرام، كالزنى وشبهه من فساد الأنكحة، وكتسمية الولد عبد شمس وعبد الحارث وعبد العزى.


(١) راجع تفسير الآية ٤٠ من سورة الأنعام.

<<  <  ج: ص:  >  >>