للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

امرأة بألف دينار، فقال: اللهم، إن فلانًا تزوج بألف دينار، وإني أخطب منك من نساء الجنة بألف، فتصدق بألف دينار، ثم إن صاحبه اشترى خادمًا ومتاعًا بألف دينار، فقال: اللهم إن فلانا اشترى خادما ومتاعا بألف، وإني أشتري منك خادماً ومتاعاً من الجنة بألف، فتصدق بألف دينار، ثم أصابته حاجة، فقال: لعل صاحبي يُناولني معروفه، فأتاه، فقال: ما فعل مالك؟ فأخبره قصته، فقال: أو إنك لمن المصدقين بهذا؟ والله لا أعطيك شيئًا، فلما تُوفيا آل أمرهما إلى ما ذكر الله في سورة الصافات بقوله: قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ، يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ ... «١» الآية.

وبيَّن حالهما في الدنيا بقوله: جَعَلْنا لِأَحَدِهِما وهو الكافر، جَنَّتَيْنِ: بستانين مِنْ أَعْنابٍ: من كروم متنوعة، وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ أي: جعلنا النخل محيطة بهما محفوظًا بها كرومهما، وَجَعَلْنا بَيْنَهُما:

وسطهما زَرْعاً ليكون كل منهما جامعًا للأقوات والفواكه، متواصل العمارة، على الهيئة الرائقة، والوضع الأنيق. كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها: ثمرها وبلغ مبلغًا صالحًا للأكل، وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً أي: لم تنقص من أكلها شيئًا في كل سنة، بخلاف سائر البساتين، فإن الثمار غالبًا تكثر في عام وتقل في عام، وَفَجَّرْنا خِلالَهُما: فيما بين كل من الجنتين نَهَراً على حدةٍ، وقرئ بالسكون. والنهر: الماء الكثير، وكان لكل بستان نهر ليدوم شربها ويدوم بهاؤها.

ولعل تأخير تفجير النهر عن ذكر إيتاء الأكل، مع أن الترتيب الخارجي العكس للإيذان باستقلال كل من إيتاء الأكل وتفجير النهر في تكميل محاسن الجنتين، كما في قصة البقرة ونحوها، ولو عكس لأوهم أن المجموع خصلة واحدة بعضها مرتب على بعض.

وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ أي: وكان لصاحب الجنتين أنواع من المال غير الجنتين، من ثَمُرَ مالُه: إذا كثر. قال ابن عباس: الثمر: جميع المال من الذهب، والفضة، والحيوان، وغير ذلك. وقال مجاهد: هو الذهب والفضة خاصة. فَقالَ لِصاحِبِهِ المؤمن، أخيه أو شريكه، وَهُوَ يُحاوِرُهُ: يراجعه في الكلام، من حَار إذا رجع، وذلك أنه سأله عن ماله فيما أنفقه، فقال: قدمتُه بين يدي، لأقدم عليه، فقال له: أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً: حَشمًا وأعوانًا وأولادًا ذكورًا لأنهم الذين ينفرون معه.

وَدَخَلَ جَنَّتَهُ: بستانه الذي تقدم وصفه، وإنما وحده إما لعدم تعلق الغرض بتعدده، أو لاتصال أحدهما بالآخر، أو لأن الدخول يكون في واحدٍ واحد. فدخله وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ ضارُّ لها بعُجْبه وكفره، قالَ حين دخوله: ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ الجنة، أي: تفنى أَبَداً لطول أمده وتمادي غفلته، وإنكارًا لفناء الدنيا


(١) الآيتان ٥٠- ٥١ من سورة الصافات. وانظر تفسير البغوي ٥/ ١٧٠، وزاد المسير ٥/ ١٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>