للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأعمال، يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً أي: فنُهينُهم، ولا نجعل لهم مقدارًا واعتبارًا لأن مدار التكريم: الأعمالُ الصالحة، وقد حبطت بالمرة قال صلى الله عليه وسلم: «يُؤتى بالرَّجُل السَّمِين العَظِيم يَوْمَ القِيَامَةِ، فلاَ يَزنُ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ اقْرَأوا إن شِئْتُمْ:

فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً «١» . أو: لا نضع لأجل وزن أعمالهم ميزانًا لأن الكفر أحبطها. أو: لا نقيم لهم وزنًا نافعًا. قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: يأتي أناسٌ بأعمالهم يوم القيامة، هي عندهم في العِظَم كجبال تهامة، فإذا وزنوها لا تزن شيئًا، فذلك قوله: فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً.

ثم بيَّن مآل كفرهم بعد أن بيَّن مآل أعمالهم، فقال: ذلِكَ الصنف الذين حبطت أعمالهم جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ، أو الأمر ذلك، ثم استأنف بقوله: جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِما كَفَرُوا أي: بسبب كفرهم المتضمن لسائر القبائح، التي من جملتها ما تضمنه قوله: وَاتَّخَذُوا آياتِي الدالة على توحيدي أو كلامي، أو معجزاتي، وَرُسُلِي هُزُواً أي: مهزوًا بهم، فلم يقتنعوا بمجرد الكفر، بل ارتكبوا ما هو أعظم، وهو الاستهزاء بالآيات والرسل. عائذاً بالله من ذلك.

الإشارة: كل آية في الكفار تجر ذيلها على الغافلين، فكل من قنع بدون عبادة فكرة الشهود والعيان، ينسحب عليه من طريق الباطن أنه ضل سعيه، وهو يحسب أنه يُحسن صُنعًا، فلا يقام له يوم القيامة وزن رفيع، فتنسحب الآية على طوائف، منها: من عبد الله لطلب المنزلة عند الناس، وهذا عين الرياء رُوي عن عثمان أنه قال على المنبر: (الرياء سبعون بابًا، أهونها مثل نكاح الرجل أمه) . ومنها: من عَبَدَ الله لطلب العوض والجزاء عند الخواصِّ، ومنها: من عبد الله لطلب الكرامات وظهور الآيات، ومنها: من عبد الله بالجوارح الظاهرة، وحجب عن الجوارح الباطنة، وهي عبادة القلوب، فإن الذرة منها تعدل أمثال الجبال من عبادة الجوارح، ومنها: من وقف مع الاشتغال بعلم الرسوم، وغفل عن علم القلوب، وهو بطالة وغفلة عند المحققين، ومنها: من قنع بعبادة القلوب، كالتفكر والاعتبار، وغفل عن عبادة الأسرار، كفكرة الشهود والاستبصار، والحاصل: أن كل من وقف دون الشهود والعيان فهو بطّال، وإنْ كان لا يشعر، وإنما ينكشف له هذا الأمر عند الموت وبعده، وسيأتي عند قوله تعالى:

وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ «٢» ، زيادة بيان على هذا إن شاء الله. فقد يكون الشيء عبادة عند قوم وبطالة عند أخرين حسنات الأبرار سيئات المقربين. ولا يفهم هذا إلا من ترقى عن عبادة الجوارح إلى عبادة القلوب والأسرار. وبالله التوفيق.


(١) أخرجه البخاري فى (تفسير سورة الكهف) ، ومسلم فى (صفات المنافقين وأحكامهم، باب صفة القيامة والجنة والنار) ، عن أبى هريرة رضي الله عنه
(٢) الآية ٤٧ من سورة الزمر.

<<  <  ج: ص:  >  >>