للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المحن، ولم يشكر ما هو فيه من المنن، فحقيق أن تزول عنه، ويرجع إلى ما كان عليه. وتَذَكَّرْ حديث الأبرص والأقرع والأعمى، حسبما في الصحيح «١» . فإن الأبرص والأقرع، حين شفاهما الله وأغناهما، أنكرا ما كانا عليه، فرجعا إلى ما كانا عليه، والأعمى حين أقر بما كان عليه، وشكر الحال الذي حال إليه، دامت نعمته وكثر خيره.

فالشكر قيد الموجود وصيد المفقود. فيقال لأهل النعم، إن قاموا بشكرها: كُلوا من طيبات ما رزقناكم، ولا تطغوا فيه، بأن تصرفوه في غير محله، أو تمنعوه عن مستحقه، فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي ... الآية.

وقوله تعالى: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ.. الخ، قال القشيري: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ من الزَّلَّة وَآمَنَ فلم يَرَ أعماله من نَفْسه، بل جميع الحوادث من الحقِّ، وَعَمِلَ صالِحاً فلم يُخِلّ بالفرائض، ثُمَّ اهْتَدى للسُّنَّةِ والجماعة.

وقال أيضًا: ثم اهتدى بنا إلينا. هـ.

قال الورتجبي: التائب: المنقطعُ إلى الله، والمؤمن: العارف بالله، والعمل الصالح: تركه ما دون الله، فإذا كان كذلك، فاهتدى بالله إلى الله، ويكون مغمورًا برحمة الله، ومعصومًا بعصمة الله. هـ.

ثم ذكر فتنة بنى إسرائيل بالعجل، بعد ذهاب موسى إلى المناجاة، فقال:

[سورة طه (٢٠) : الآيات ٨٣ الى ٨٨]

وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى (٨٣) قالَ هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى (٨٤) قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (٨٥) فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ يا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي (٨٦) قالُوا ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْناها فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (٨٧)

فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ فَقالُوا هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ (٨٨)

يقول الحق جلّ جلاله لموسى عليه السلام، لما ذهب إلى الطور، لموافاة الميقات، للعهد الذي عهد إليه، واختار سبعين من بني إسرائيل، يحضرون معه لأخذ التوراة بأمره تعالى، فلما دنا من الجبل حمله الشوق، فاستعجل إلى الجبل، وترك قومه أسفله، فقال له الحق جلّ جلاله: وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى أي: ما حملك على


(١) أخرج حديث الثلاثة البخارىّ فى (أحاديث الأنبياء، باب حديث أبرص وأعمى وأقرع بنى إسرائيل) ، ومسلم فى (الزهد، ح ٢٩٦٤) من حديث أبى هريرة رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>