للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم بيّن تصريف الوعيد على ارتكاب العصيان وبيان منشئه، وهو عداوة الشيطان فقال: (وَلَقَدْ..) إلخ.. أو تقول:

لما نهاه عن العجلة لأجل خوف النسيان، قال له: قد نسى أبوك آدم، فالنسيان من طبع الإنسان، فقال:

[سورة طه (٢٠) : الآيات ١١٥ الى ١٢١]

وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً (١١٥) وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى (١١٦) فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى (١١٧) إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى (١١٨) وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى (١١٩)

فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لاَّ يَبْلى (١٢٠) فَأَكَلا مِنْها فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى (١٢١)

قلت: يقال: عهد إليه الملك، وأوعد إليه، وتقدم إليه: إذا أمره ووصاه.

يقول الحق جلّ جلاله: وَالله لَقَدْ عَهِدْنا وتقدمنا إِلى آدَمَ من غرور الشيطان وعداوته، ووصيناه ألا يغتر به، فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ، فلا تغتر بنصحه، فَنَسِيَ ذلك العهد ولم يحتفل به، حتى غفل عنه، واغتر بإظهار نصحه، حتى أكل من الشجرة، متأولاً أن النهي للتنزيه، أو عن عين الشجرة، لا عن جنسها، فأكل من غيرها، وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً أي: ثبات قدم، وحزمًا في الأمور، إذ لو كان كذلك لما غرّه الشيطان بوسوسته، وقد كان ذلك منه عليه السلام في بدء أمره، قبل أن يجرب الأمور ويتولى حارها وقارها، ويذوق شرِّيها وأريها «١» . وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «لو وُزنت أحلام بني آدم- أي: عقولهم- بحلم آدم، لرجح حلمه» «٢» .

وقيل: (وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) على الذنب، فإنه أخطأ، أو تأول، ولم يتعمد، وأما قوله: (وَعَصى ... ) فلعلو شأنه وقُربه عُد عصيانًا في حقه، «حسنات الأبرار سيئات المقربين» .

ثم شرع في بيان المعهود، وكيفية ظهور نسيانه وفقدان عزمه، فقال: وَإِذْ قُلْنا أي: واذكر وقت قولنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ، وتعليق الذكر بالوقت، مع أن المقصود تذكير ما وقع فيه من الحوادث للمبالغة في إيجاب ذكرها، فإن الوقت مشتمل على تفاصيل الأمور الواقعة فيه، فالأمر بذكره أمر بذكر تفاصيل ما وقع فيه


(١) الشّرى: الحنظل، والأرى: العسل.
(٢) أخرجه ابن جرير فى التفسير (١٦/ ٢٢١) ، وسعيد بن منصور، وابن عساكر، وابن المنذر، كما عزاه لهم السيوطي فى الدر المنثور (٤/ ٥٥٣) عن أبى أمامة الباهلي، موقوفا.

<<  <  ج: ص:  >  >>