للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لإبراهيم بالحنيفية، والبراءة من اليهودية والنصرانية، أي: لا أحد أظلم منه، وليس الله تعالى بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ، بل يجازيكم على النقير والقطمير، فإن اعتمدتم على نسبكم إليهم فقد اغتررتم.

تِلْكَ أُمَّةٌ قد مضت، لَها ما كَسَبَتْ لا ينتفع به غيرها، وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ لا ينفعكم غيره، ولا تسألون عن عملهم كما لا يسألون عن أعمالكم. قال البيضاوي: كرره للمبالغة في التحذير، والزجر عما استحكم في الطباع من الافتخار بالآباء، والاتكال عليهم، وقيل: الخطاب فيما سبق لهم، وفي هذه الآية لنا، تحذيراً عن الاقتداء بهم، وقيل: المراد بالأمة في الأولى الأنبياء، وفي الثانية أسلاف اليهود والنصارى. هـ.

الإشارة: كل من أقامه الحقّ في وجهه، ووجهه إليها، فهو عامل لله فيها، قائم بمراد الله منها، وما اختلفت الأعمال إلا من جهة المقاصد، وما تفاوت الناس إلا من جهة الإخلاص. فالخلق كلهم عبيد للملك المجيد، وما وقع الاختصاص إلا من جهة الإخلاص. فمن كان أكثر إخلاصاً لله كان أولى من غيره بالله، وبقدر ما يقع للعبد من الصفاء يكون له من الاصطفاء، فالصوفية والعلماء والعباد والزهاد وأهل الأسباب على اختلاف أنواعهم كلهم عاملون لله، ليس أحد منهم بأولى من غيره بالله إلا من جهة الإخلاص وإفراد القلب لله، فمن ادعى الاختصاص بالله من غير هذه الوجهة فهو كاذب، ومن اعتمد على عمل غيره فهو مغرور، يقال له: تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ.

ولمّا أراد الله تعالى أن ينسخ القبلة من جهة الشام ويردها إلى الكعبة، أخبر أنه سينكرها قومٌ خَفَّتْ أحلامُهم، وفسدت بالتقليد الردي عقولُهم، وهم أحبار اليهود والمنافقون والمشركون، فقال:

[[سورة البقرة (٢) : آية ١٤٢]]

سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٤٢)

يقول الحق جلّ جلاله: سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ الذين لا عقل لهم ولا دين، حين تحول القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة: ما صرفهم عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها، فلو دام عليها لاتبعناه. قُلْ لهم يا محمد:

لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ لا يختص ملكه بمكان دون مكان بخاصية ذاتيه تمنع من إقامة غيره مقامه، بل الأماكن عند الله سواء: والخلق في حقه سواء، يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ، ويضل من يشاء عن المنهاج القويم لاَ يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ، والصراط المستقيم: ما ترتضيه الحكمة وتفتضيه المصلحة من التوجه إلى بيت المقدس تارة، والكعبة أخرى، وفائدة تقديم الإخبار به: توطين النفس وإعداد الجواب. قاله البيضاوي.

<<  <  ج: ص:  >  >>